Baseerasincolor - the campaign
<

إنقاذ التعلیم العام: معا نستطیع


د.ماجد عثمان

سبتمبر-2014



شاركت يوم الأربعاء الماضى فى حفل افتتاح مدرسة الكمال الابتدائية بعد تطويرها، المدرسة تقع فى شارع متفرع من شارع المعز وعلى بعد خطوات من بيت السحيمى. قامت بتطوير المدرسة جمعية تكاتف وهى جمعية أهلية تطبق نماذج تنموية مدروسة وأهمها تطوير المدارس القائمة. تتلق الجمعية تبرعات من بعض رجال الأعمال العازفين عن الشهرة والمؤمنين بأن أى مستقبل مشرق لمصر لن يمر سوى من بوابة التعليم المتميز. والنموذج المطبق يعتمد على مدخل متكامل، لا يقتصر على تطوير الأبنية وهى شرط ضرورى بالطبع، ولكنه يتجاوز ذلك إلى تدريب المعلمين وصقل مواهبهم واتجاهاتهم تجاه العملية التعليمية باعتبارها عملية هدفها الطالب وعصبها المعلم. ولا يُغفل هذا المنهج المتكامل توفير بيئة ملائمة للأنشطة اللاصفية رياضية وثقافية وفنية، ولعل أهم ما يُميز هذا النموذج هو اهتمامه باستدامة المشروع الذى يتم تنفيذه من خلال وضع آليات لصيانة المدرسة وبث روح الحفاظ على المال العام بين العاملين فيها وبين الطلاب، وهى قيمة ثقافية لها مردود كبير ليس فقط فى الحفاظ على المدرسة ولكن فى تغيير سلوكيات التلاميذ منذ نعومة أظافرهم نحو مرافق الوطن باعتبارهم حراسا عليه.

خلال احتفالية الافتتاح تم عرض فيلم قصير يُصور حال المدرسة قبل التطوير وبعده، وقد كانت الصورة كما يقال أبلغ من ألف كلمة، وقد أوضح الفيلم الوثائقى الحالة المزرية التى كان عليها الفصول ودورات المياه وفناء المدرسة والسلالم، كما أشار العرض إلى أن المدرسة لم يكن بها غرفة استراحة للمعلمين. وأحد اللمسات الحضارية أنه عند إنشاء دورات المياه التى تضاعفت من 14 إلى 34، تم إنشاء دورة مياه مجهزة لاستخدام الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة.

النموذج بعث فى نفسى جرعة من التفاؤل لعدة أسباب:

• شارك فى الاحتفالية وزير التربية والتعليم ومحافظ القاهرة، ولم تكن كلماتهم من قبيل خطب المناسبات الباهتة وإنما تضمنت رسائل تنم عن فكر تربوى صائب وعن تقدير لدور المعلم وعن مساندة للمشاركة المجتمعية ودور القطاع الخاص والمجتمع المدنى فى دفع عجلة التنمية، كما أدهشنى فى حديث وزير التعليم قناعته باللا مركزية فى إدارة قطاع التعليم وهو اتجاه لا بديل عنه فى ظل ضخامة قطاع التعليم فى مصر ناهيك عن التحديات التى تواجهه.

• جاءت كلمات المدرسين مفعمة بالصدق وعبرت عن الزهو بالتطوير الذى حدث فى البيئة المدرسية وعكست إحساساً شديداً بالإيجابية والرغبة فى العطاء المتبادل، وركزت على التعهد بالحفاظ على المدرسة وتناولت طلبات محددة لدعم العملية التعليمية، ولم تتناول كلماتهم أى طلبات شخصية كما جاءت خالية من الرياء على الرغم من وجود وزير التعليم ومحافظ القاهرة، وهى أيضا ظاهرة تستحق الإشادة.

• لفت انتباهى كلمات المعلمين بصفة عامة ولكن كلمة معلم العلوم بالمدرسة كان لها مذاق مختلف، تعهد الرجل بعفوية وصدق أنه سيُخرج من «تحت يديه» تلاميذ يصبحون علماء مرموقين يحلون مشاكل الوطن، كدت لا أصدق ما أسمع وكدت أفرك عيناى لا تأكد أننى لا أحلم.

• يوجد بمصر رجال أعمال قدموا تبرعات لمشروعات تنموية ولا يحركهم فى ذلك دافع الظهور الإعلامى أو الحصول من وراء تبرعاتهم على مقابل سياسى أو مادي، وهو ما يدعو لضرورة تصحيح الصورة الذهنية السلبية التى ترسخت فى الوجدان المصرى تجاه رجال الأعمال والتى لا تخلو من تعميم غير منصف لقطاع كبير من رجال الأعمال.

• يوجد بمصر جمعيات أهلية تعمل فى صمت وبأسلوب علمى يمكنها أن تحل مشكلات مجتمعية مزمنة تفاقمت على مر السنوات، ولا يجب استدعاء هذه الجمعيات بشكل إنتقائى وعند ظهور الحاجة إليها فقط، ولكن يجب تعديل نظرة الحكومة لهذ الجمعيات بحيث تصبح شريك كامل فى عملية التنمية، قد لا تمتلك هذه الجمعيات الموارد الضخمة التى تمتلكها الحكومة ولكن لديها قدرات ومرونة ومساحة للإبداع والإبتكار والتكييف لا تتوفر بالضرورة للجهاز الحكومي، وهناك آلاف من الأمثلة التى تثبت أن الفساد الإدارى والبيروقراطية الحكومية يتنافسان للوقوف لهذه الجمعيات بالمرصاد، ومع تفاقم العديد من المشكلات التنموية ومنها التعليم يصبح الإصرار على الحد من المشاركة المجتمعية ترف لا نقدر عليه.

• «معا نستطيع» يعنى أن تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى والمواطن ليس مجرد شعار رومانسى يُدعب المشاعر ولكنه نموذج حى قابل للتطبيق والتعميم ويمكن أن يُحدث نقلة نوعية فى مصر، إن القوة الكامنة التى يولدها تطبيق هذا الشعار تتجاوز ناتج الجمع الحسابى لقدرات الأطراف المشاركة، وإنما يضاف إليها ما يُفجره من طاقات إيجابية غير محدودة تنقل المردود من حاصل جمع القدرات إلى حاصل ضربها، وبلغة الأرقام فإن: 2+3+4=9 ولكن 2×3×4=24.

بعد انتهاء الاحتفالية، قررت التجول فى شارع المعز الذى تم اختطافه فى فترة تراجعت فيها هيبة الدولة. وقد أثلج صدرى عودة شارع المعز إلى سابق عهده، وأحسست بالقيمة المضافة لعودة الرونق إلى هذا الموقع الأثرى على تطوير وتحديث مدرسة الحي، وهو تكامل حضارى لم يأتى مصادفة. وبعيدا عن المحتوى التعليمي، تخيلت الفارق فى سلوكيات وقيم تلاميذ مدرسة متهالكة يصلوا إليها من خلال شارع خرب وتلاميذ مدرسة مطورة يصلوا إليها من خلال شارع منظم ونظيف وآمن ينبعث منه عبق حضارة تستحق أن يحاكيها أطفال اليوم.

فى النهاية، تحية لرئيس جمعية تكاتف الدكتور حسام بدراوى الذى احترقت أنامله من العمل العام ولكن تواصل عطاؤه دون هوادة فى كل العصور لتحقيق رسالة وهب لها مساحة كبيرة من وقته وجهده وهى أن «التعليم هو الحل».



الشروق