Baseerasincolor - the campaign
<

مكافحة الفساد ..طوق النجاة لاستعادة ثقة الشعب فى الحاكم


د.ماجد عثمان

يونيو-2014



يعلم الجميع أن التحديات الاقتصادية التى تواجه مصر ليست هينة وأن حل مشكلة البطالة وضبط الأسعار وعودة السياحة ستستغرق وقتا طويلا. وأن شعور المواطن بتحسن ملموس فى حياته اليومية يحتاج إلى أكثر من الأمانى الطيبة. وإلى حين أن يشعر المواطن المصرى بتحسن مستوى معيشته يجب أن يتحلى بالصبر وحتى يتحلى بالصبر فيجب أن يثق فى قيادته ولا أقصد هنا شخص الرئيس فقط وإنما أتحدث عن مجمل القيادات على المستوى المركزى وأيضا على المستوى المحلى.

أعتقد اعتقادا راسخا بأن العصا السحرية حتى يثق المواطن فى قيادته ومن ثم يتحلى بالصبر ويعطيها الوقت الكافى لتُخرج البلاد من المأزق الاقتصادى الراهن هو أن يلمس على أرض الواقع برامج حقيقية وجريئة لمكافحة الفساد. وحتى لا يكون الحديث مرسلا أطرح مقترحات محددة:

الشفافية فى التعيينات الحكومية:

لا يختلف اثنان أن الشغل الشاغل لكل شاب هو العثور على عمل لائق يوفر له حياة كريمة واستقرار مادى ومعنوى ولأسباب عديدة يفضل معظم الشباب المصرى العمل الحكومى. وعلى التوازى لا يوجد شفافية فى التعيينات الحكومية من حيث أسلوب الاختيار أو أسباب اختيار مرشح معين. وينطبق ذلك على الباب الرسمى للتعيين فى درجات حكومية وأيضا على الباب العرفى والذى يتسلل منه الأقارب عبر التعيين باليومية أو بعقود مؤقتة. وهو ما جعل إدارة العديد من المؤسسات الحكومية يتطلب من القائم عليها إذا أراد أن يُحسن إدارتها أخذ «شجرة العائلة» التى تربط العاملين وليس الهيكل التنظيمى، بحيث يضمن أن إدارة معينة لا تتكون من أسرة واحدة، ويصبح أقصى ما يمكنه عمله هو تقليل الأضرار من خلال تشتيت الأقارب على إدارات مختلفة.

مرتبات كبار المسئولين:

صدرت قرارات تنظم الحد الأقصى لموظفى الجهاز الإدارى للدولة. ومن ثم أصبحت هذه القرارات واجبة التنفيذ، إلا أن الكثيرين يرون أنها مجرد حبر على ورق أو أنها لا تطبق على كل عناصر الدخل التى يتقاضاها بعض كبار المسئولين الحكوميين (مثل بدلات حضور اللجان ومجالس الإدارات...). وربما يكون ذلك ظن فى غير محله يزعزع الثقة فى وقت تحتاج فيه القيادة السياسية لثقة الشعب، فلماذا لا يُلزم رئيس الجمهورية الوزارات والمؤسسات الحكومية (دون استثناء) بنشر إجمالى ما يتقاضاه كبار المسئولين (ولا أقصد بالطبع أساسى المرتب) على موقع الوزارة الإلكترونى، على أن يكون هناك مسئولية عن دقة هذه البيانات. أظن أن ذلك سيؤدى إلى رفع قدرة الحكومة على إعمال الرقابة الذاتية وتصحيح أية انحرافات وسيؤدى إلى تعزيز الثقة فى الجهاز الحكومى وفى دحض العديد من الشائعات التى تنتقص من هذه الثقة دون مبرر.

السيارات الحكومية:

لعل من ينتمى إلى الجيل الأكبر سنا يذكر أنه كان يشاهد فى الطرقات سيارات «نمر حكومة» وكان من حق عسكرى المرور أن يستوقف هذه السيارات ليطلع على خط السير الخاص بالسيارة وإذا وجد أنها مخالفة لخط السير يحرر مخالفة تستوجب توقيع جزاء قانونى على السائق أو على المسئول الحكومى المشرف على تسيير السيارات، فى الوقت الحالى نكاد لا نرى سيارات بنمر حكومة، فهل ذلك لأن الجهاز الحكومى تقشف وليس لديه سيارات؟ الإجابة على هذا السؤال «لا» فالجهاز الحكومى عامر بالسيارات ولكنها تحمل لوحة عادية لا تُمكن من الرقابة عليها، فيمكن استخدام السيارة الحكومية فى قضاء أغراض شخصية لا علاقة لها بالعمل دون رقيب. وبناء على تجربة عملية فإن هناك عدد غير قليل من كبار المسئولين الذى يمنح أكثر من سيارة تستخدم فى أغراض شخصية وعائلية وهى مخالفة صارخة للقانون ناهيك عن أنها جرم أخلاقى فى دولة تواجه تحدى كبير فى إدارة موارد محدودة لمواجهة تطلعات غير محدودة.

إعلانات التعازى أو «العزاء على نفقة الدولة»:

المتابع لصفحة الوفيات فى جريدة الأهرام يستطيع دون عناء أن يجد فيها مشاطرات من وزراء ورؤساء مؤسسات حكومية لزملائهم وهى مشاعر طيبة بلا شك ولكن هل يجوز أن تتم على نفقة الدولة، علما بأن هناك منشور دورى يصدر عن رئيس مجلس الوزراء يمنع صراحة صرف أية مبالغ على الاجتماعيات من مشاطرات عزاء أو تهانى، وهنا يحتاج الأمر إلى تساؤل، ما هو البند الذى يتم الصرف منه؟ وكيف يتحدى الوزير منشور رئيس الوزراء؟ وهل يتم تجاوز هذا المنشور فى هذا البند فقط أم أن ما خفى كان أعظم؟ ويتبقى أن نقول أن النصيب الأكبر من هذه المشاطرات يخص الوزارة المسئولة عن إعمال القانون. (يمكن مراجعه مقال سابق للكاتب فى جريدة الشروق بعنوان «العزاء على نفقة الدولة» بتاريخ 24/3/2013 ).

هناك أمثلة أخرى لن يتسع المجال لتفصيلها أكتفى بالإشارة إليها وهى الإفصاح عن بدلات السفر الحكومية (وهى بالمناسبة ضئيلة ولكن توجد بعض المؤسسات التى تستطيع تجاوز اللوائح المنظمة لذلك) والانتدابات وعضوية مجالس الإدارات وشفافية الحساب الختامى لمؤسسات الدولة.

الأمثلة المذكورة وغيرها يمكن تطبيقها من خلال قانون محترم لإتاحة المعلومات. وإلى حين صدور هذا القانون الهام والذى ورد فى دستور وافق عليه 97% من الشعب المصرى فلماذا لا تقوم الحكومة لإبداء حسن النية أن تنتهج مبدأ الإفصاح الاستباقى، وهى بذلك تسهم فى إعمال الرقابة والمسائلة وترسى تقليدا يسهم فى منع جوانب عديدة من الفساد وتكسب الجهاز الحكومى والقيادة السياسية ثقة هى فى أمس الحاجة إليها.



الشروق