Baseerasincolor - the campaign
<

استطلاعات الرأى العام: إجابات عن تساؤلات مشروعة


د.ماجد عثمان

مايو-2014



ترتبط استطلاعات الرأى العام إرتباطا وثيقا بالانتخابات، ليس فقط بحكم تاريخ نشأة صناعة استطلاعات الرأى العام، والذى ارتبط بانتخابات الرئاسة الأمريكية منذ نحو قرن من الزمان، ولكن أيضا بحكم الرغبة العارمة لدى الجميع لمحاولة استشراف نتائج الانتخابات لما لها من أهمية كبرى فى تحديد مسارات مستقبل الأمم، وأيضا لما لها من تأثير على مصالح نخب سياسية واقتصادية. وعلى الرغم من أن النمط العام فى الإعلام العالمى هو الترحيب بقياسات الرأى العام لما تشكله من إضافة معرفية إلى المحتوى الإعلامى الذى يفترض أن تتبارى وسائل الإعلام لتقديمه للمتلقى، فإن الواقع المصرى يشير إلى «خصوصية». وهذا التعامل المختلف هو ما دفعنى لكتابة هذا المقال محاولا توضيح بعض النقاط التى آمل أن يتسع الصدر والعقل لإستيعابها دون إعمال نظرية «سوء الظن من حسن الفطن».

والسؤال المهم هو لماذا يهاجم البعض استطلاعات الرأى العام؟

وتوجد من وجه نظرى عدة أسباب، السبب الأول يرتبط بسلوك إنسانى يُرحب بنتائج استطلاعات الرأى العام إذا جاءت متوافقة مع توقعاته أو مصالحه ويتلقاها بتحفظ إذا كانت مخالفة لتوقعاته أو مهددة لمصالحه، وتتفاقم حدة الترحيب أو التحفظ كلما ازدادت درجة الانغلاق الفكرى أو درجة رفض الرأى الآخر، وبالتالى إنكار وجوده، ويبدو لسان حال هؤلاء أن رأيهم هو الرأى العام وإذا خالف الرأى العام رأيهم، فالأرجح أن العيب فى عملية قياس الرأى العام.

السبب الثانى يرتبط بحالة فقدان الثقة، التى تسيطر على المجتمع المصرى وحتمية التصنيف السلبى لكل صاحب رأى مخالف، وكانت تجربة مركز بصيرة ثرية فى التهم، التى ألصقت بها، والتى تغيرت حسب تغير اتجاهات الرأى العام. فعندما كانت الدفة تميل لصالح عبدالمنعم أبوالفتوح فى الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة لعام 2012 كانت التهمة الجاهزة «خلايا نائمة للإخوان» وعندما ظهر أحمد شفيق كمنافس قوى أصبحت التهمة «فلول». وفى الفترة المئة يوم الأولى من حكم الإخوان وعندما رصد مركز بصيرة نسبة موافقة مرتفعة على أداء الرئيس السابق محمد مرسى فتعدلت التهمة إلى «إخوان» وعندما تراجعت هذه النسبة بشكل حاد بعد الإعلان الدستورى المؤقت، واستمرت هذه النسبة فى التراجع حتى نهاية السنة الأولى لحكم الإخوان تعدلت التهمة مرة أخرى لتصبح «تابعين للجيش». وعلى الرغم من أن هذا التنوع فى التصنيفات فى أقل من سنتين يرجح حيادية مركز بصيرة فإنها تصيب فى مقتل صناعة قياس الرأى العام، والتى لا غنى عنها فى نظام ديمقراطى يكرس مبادئ الحكم الرشيد من مساءلة واستجابة وشفافية.

السبب الثالث، هو نظرة الإعلام لاستطلاعات الرأى العام والخلل القائم فى فهم دورها ومحدودية نتائجها. والإشكالية الرئيسية تكمن فى الإجابة عن السؤال التالى: هل دور استطلاعات الرأى العام التنبؤ بالمستقبل أم مجرد تفسير الواقع؟ وأرى أن دور استطلاعات الرأى العام هو بالدرجة الأولى رصد الواقع ومحاولة تفسير تعقيداته فى لحظة (فترة) جمع البيانات. بمعنى أنه يعرض مثلا نسبة تأييد المرشحين المتنافسين فى سباق الرئاسة فى يوم معين، ويعرض بالتحليل التفاوتات الجغرافية والتفاوتات بين الشرائح الاجتماعية مثل النوع والعمر والحالة التعليمية والمستوى الاقتصادى. أما التنبؤ بالمستقبل فهو أمر آخر يعتمد على افتراضات، يضعها المحللون السياسيون وقدرتهم على التنبؤ بالمستقبل ترتبط بمدى انطباق هذه الفروض. ولتوضيح هذه النقطة فإن نتائج استطلاعات الرأى التى تمت قبل الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التى قامت بها مراكز مصرية (من بينها مركز بصيرة) وضعت المرشح الرئاسى محمد مرسى فى المرتبة الرابعة أو الخامسة، وبدا الأمر كما لو كان دليل فشل. وهنا يجب توضيح سبب اختلاف نتائج استطلاعات الرأى العام عن نتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة لعام 2012، وهى على النحو التالى:

• عندما أعلن مركز بصيرة نتائجه ذكر أن 33% من العينة لم تحسم رأيها فى المرشح الذى ستختاره وجاءت هذه النسبة أعلى من النسبة التى ساندت أى مرشح من المتنافسين على الرئاسة تطبق مصر، وجاء تعليقنا على النتائج، وهو ما نشر فى جريدة المصرى اليوم أن المعركة الانتخابية لم تحسم، وأن من يستطيع الحصول على الثلث الذى لم يحسم أمره سيضمن مقعد فى جولة الإعادة. وعلى الرغم من أن هذا قيل بوضوح شديد فإن معظم من يعلق على هذه النتائج يتجاهل تحليلنا حول نسبة الذين لم يحسموا أمرهم ويركز على ترتيب المرشحين.

• يطبق القانون المصرى مبدأ فترة الصمت السابقة على موعد إجراء الانتخابات، وبناء على ذلك فإن استطلاعات الرأى العام توقفت يوم 16 يونيو 2012 التزاما بالقانون علما بأن الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة لعام 2012 تمت يوم 23 مايو، أى أن الاستطلاعات لم تعكس التغيرات التى شهدها الأسبوع الأخير والذى كان عامرا بشتى أنواع الحشد، التى مارسها مرشحون لا يتمتعون بقدرات متساوية، ومن ثم فإن القدرة على جذب الثلث الذى لم يحسم أمره حسمت نتيجة الانتخابات.

والسؤال الذى يطرح نفسه هل الهجوم على استطلاعات الرأى العام هو هجوم عشوائى نتيجة لحالة انعدام ثقة أو نتيجة لغياب ثقافة استطلاعات الرأى العام وهى حالة سيتم تجاوزها تدريجيا أم أن هذا الهجوم هو هجوم منهجى منظم ينزع إحدى أدوات الحكم الديمقراطى بهدف تقويضه؟



الشروق