Baseerasincolor - the campaign
<

العلاقات المصرية الأمريكية .. هل يصمد الزواج الكاثوليكى؟


د.ماجد عثمان

أبريل-2014



قضيت نحو عشرة أيام متنقلا بين عدد من المدن الأمريكية: واشنطن، نيويورك، بوسطن، برنستون. التقيت خلالها عددا كبيرا من الشخصيات العامة المؤثرة سواء من خلال مؤتمرات أو من خلال لقاءات فردية. وكان الحديث دوما عن اتجاهات الرأى العام فى مصر وكيف تغير؟ وكيف يمكن أن يتغير فى المستقبل؟ ومدى التفاوت فى اتجاهات الرأى العام حسب الشرائح الاجتماعية. ولعله من المفيد أن ألخص بعض الانطباعات النابعة من هذه اللقاءات لاسيما فى هذه المرحلة التى تشهد درجة من الفتور ربما لم تشهدها العلاقات المصرية الأمريكية منذ منتصف السبعينيات.

بعض ما يحدث فى مصر يصيب الأمريكيين المؤيدين لمصر بارتباك يزيد من صعوبة مساندتهم لمصر ومثال على ذلك الحكم الذى تناقلته وسائل الإعلام بإعدام أكثر من خمسمائة شخص فى قضية واحدة، وعقد البعض المقارنة بين هذا الحكم وحكم سيارة الترحيلات، التى قتل فيها 37 متهما بعد القبض عليهم، وهم فى حوزة أجهزة الدولة، وعوقب مسئول واحد بالسجن لمدة عشر سنوات، ويضاف إلى ذلك الأحكام التى صدرت فى حق المتهمين فى قضية الجمعيات الأهلية والتى بلغت خمس سنوات. وإذا كان العالم الغربى يتفهم عدم التعليق على أحكام القضاء، إلا أن شدة المفارقة تثير فى ذهن العالم الخارجى تساؤلات لا يمكن التقليل من أهميتها.

تأتى تجاوزات حقوق الإنسان التى يتم تناقلها فى وسائل الإعلام وآخرها البرنامج الذى بثته قناة البى بى سى البريطانية كنموذج يصعب الدفاع عنه، وأكثر ما يثير دهشة من قابلته من الأمريكيين هو الإنكار اللفظى الذى يصدر عن الجهات الرسمية، والذى لا يصاحبه تفنيد مقنع لقرائن وأدلة. ويبدو الأمر للكثيرين كأن هناك عالمين، أحدهما حقيقى والآخر افتراضى، ويصعب على الأمريكيين تصديق أن التقارير الصادرة عن مؤسسات إعلامية وبحثية لها قدر كبير من المصداقية هى العالم الافتراضى.

لدى الأمريكيين مشاعر مختلطة نحو اتجاهات التغيير المنتظرة فى مصر، فمما لا شك فيه أن هناك اقتناعا متزايدا بين الأمريكيين أن نظام الإخوان المسلمين ارتكب كم من الأخطاء التى لا تسمح له بالعودة كلاعب فاعل فى الحياة السياسية فى الأجل القصير أو فى الأجل المتوسط. لكن هناك تخوفا من أن ينتهى الأمر بمصر إلى نظام غير ديمقراطى يتبنى أو يغض البصر عن ممارسات قمعية ينتج عنها حالة من الغضب المتراكم الذى قد يؤدى إلى زعزعة الاستقرار والسلام الاجتماعى فى مصر، وهناك تخوف أيضا لدى الأمريكيين من أن يؤدى النظام غير الديمقراطى إلى ممارسة الإقصاء تجاه خبرات وطنية، وهو ما سيقلل فرص النجاح فى فترة عامرة بالتحديات. بمعنى آخر فإن التخوف القائم هو الخشية من إعادة إنتاج أخطاء الماضى.

ركز بعض الأمريكيين من أصول مصرية على أن تناول وسائل الإعلام المصرية للعلاقات بين الدولتين تناولا سلبيا فى مجمله، ويتسم بعدم الحيدة، وأن تأجيج مشاعر الكراهية تجاه الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة بصفة خاصة له آثار سلبية على العلاقة الاستراتيجية بين البلدين ولكن له أيضا تأثيرا مدمرا على المصالح الوطنية مع الغرب، ومن بينها عودة السياحة الأوروبية، وهى عنصر مهم فى معادلة النمو الاقتصادى. وعلق بعض الأمريكيين من أصل مصرى بقدر من التهكم على تسويق العلاقات المصرية الروسية باعتبارها بديلا عن علاقة ممتدة بين مصر والولايات المتحدة لم تقتصر فوائدها على أمريكا فقط. ويرتبط بهذا التخوف ما لوحظ من تكرار الاستفسارات التى أبداها بعض الشخصيات الأمريكية حول اتجاهات المصريين نحو الولايات المتحدة، وهل أصبح المصريون ينظرون للولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها عدوا؟

من الواضح أن العلاقات المصرية الأمريكية أشبه بعلاقة زواجية لا يستطيع طرفاها الإقدام على طلب الطلاق بسبب الثمن الباهظ، الذى سيترتب على إنهاء العلاقة. كما أن كلا الطرفين يعلم فى قراره نفسه أنه لن يجد زوجا أفضل. ومع الاعتراف بالتبسيط المفرط لهذا التشبيه إلا أن إدارة مثل هذه العلاقة يحتاج إلى تفاعل يتسم بقدر أعلى من العقلانية والواقعية. كما تحتاج من الجانب المصرى إلى قدر أكبر من الحساسية فى مضمون الرسائل والتنوع فى نوعية الراسلين، فالمجتمع الأمريكى يقتنع بالرسائل المبنية على القرائن والمعلومات والإحصاءات ويزداد اقتناعه إذا جاءت الرسائل عن جهات وشخصيات مستقلة غير المحسوبة على الحكومة، وهو ما لا يتم بالقدر الكافى.



الشروق