Baseerasincolor - the campaign
<

الرئيس «السابق» الأعلى شعبية


د.ماجد عثمان

مارس-2014



تهتم الدول الديمقراطية بقياس درجة شعبية الرؤساء وترصد مراكز استطلاعات الرأى العام التغير الذى يطرأ على شعبية الرؤساء وعلاقة ذلك بالقرارات التى يتم اتخاذها ومدى تأثر مستوى شعبية الرئيس بالأحداث الجارية سواء داخل حدود الوطن أو خارجه. أما قياس شعبية الرؤساء السابقين والتعرف على الرئيس الأعلى شعبية فلا تحظى بطبيعة الحال بنفس الاهتمام، وإن كان لها دلالات مهمة. فهى تعكس كيف يُقَيم المواطن الرموز الوطنية؟ وكيف ينظر إلى الحقب الزمنية المختلفة من تاريخ بلاده؟

وقد قام المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» بطرح السؤال التالى «من وجهة نظرك من هو أفضل رئيس جمهورية حكم مصر؟» لأول مرة على المواطنين المصريين فى منتصف شهر يونيو 2013، وجاءت النتيجة على النحو التالى:

44% يرون أن جمال عبدالناصر هو أفضل رئيس، و39% يرون أن أنور السادات هو الأفضل، و9% يرون أن حسنى مبارك هو الأفضل، و3 % يرون أن محمد مرسى هو الأفضل، و1% اعتبروا محمد نجيب الأفضل، وتوزعت نسبة الـ 4% الباقية على إجابات أخرى.

ربما من المفيد أن نشير إلى أن عينة الدراسة اقتصرت على المصريين الذين تجاوزوا 18 سنة. وفيما بين هذه الشريحة، نحو 10% فقط قد يتذكر جمال عبدالناصر وهى نسبة من تجاوز الخامسة عشرة عند وفاة عبدالناصر، وتقدر نسبة من يتذكر السادات اعتمادا على نفس المعيار بحوالى 30% من المصريين البالغين.

والتفاوتات بين الرئيسين عبدالناصر والسادات مثيرة للاهتمام. فعلى الصعيد الجغرافى، شعبية عبدالناصر جارفة فى الوجه القبلى، حيث ذكر 51% من سكان الوجه القبلى أنه الرئيس الأفضل فى حين أن النسبة التى حصل عليها السادات فى الوجه القبلى لم تتجاوز الـ28%، وفى المقابل تفوق السادات فى الوجه البحرى (45%) مقابل 39% لعبدالناصر، وتساوت الكفتان فى المحافظات الحضرية.

والنتيجة الثانية التى تلفت النظر هى التفاوت بين شعبية الرئيسين حسب النوع، فقد ارتفعت شعبية عبدالناصر بين الإناث (47%)، فى حين لم تزد نسبة تأييد السادات عن 34%، وفى المقابل كان السادات هو التفضيل الأول للذكور.

والنتيجة الثالثة هى التفاوت بين شعبية الرئيسين حسب الحالة التعليمية، ففى حين كان السادات هو التفضيل الأول للجامعيين (47% مقابل 37% لعبدالناصر)، جاء عبدالناصر التفضيل الأول للذين لم يحصلوا على مؤهل متوسط (47% مقابل 34% للسادات) وتقاربت الكفتان بين أصحاب التعليم المتوسط.

ولم يكن التفاوت حسب المستوى الاقتصادى مفاجئا، حيث حصل السادات على المركز الأول بين أصحاب المستوى الاقتصادى الأعلى (بفارق 11 نقطة مئوية عن عبدالناصر) فى حين حصد عبدالناصر شعبية طاغية (بفارق 15 نقطة مئوية عن السادات) بين أصحاب المستوى الاقتصادى المنخفض.

وعندما تم توجيه السؤال مرة أخرى فى شهر فبراير 2014، تغيرت الاتجاهات لصالح جمال عبدالناصر، حيث اعتبر 51% من المصريين أنه أفضل رئيس حكم مصر، بزيادة 7% عن النسبة التى حصل عليها فى شهر يونيو 2013، وجاءت هذه النسبة خصما من النسبة التى حصل عليها أنور السادات الذى تراجع إلى 32%، ليصبح الفارق بين الرئيسين 19 نقطة مئوية بعد أن كان الفارق قبل ثمانية شهور خمس نقاط فقط. وبقيت النسب التى حصل عليها باقى الرؤساء السابقين دون تغيير.

وقد لوحظ أن مصدر زيادة شعبية عبدالناصر جاء بالدرجة الأولى من سكان الريف ومن أصحاب التعليم المنخفض والدخل المنخفض.

تثير هذه النتائج عددا من التساؤلات:

• بالنسبة للتفاوت فى اتجاهات الطبقات الاجتماعية.

• ليس من قبيل المفاجأة أن يأتى الانحياز لعبدالناصر من جانب الشرائح الاجتماعية التى حاول عبدالناصر تمكينها اقتصاديا واجتماعيا، وهو ما تجلى فى اتجاهات الشرائح الأكثر فقرا لاعتبار عبدالناصر أفضل رئيس حكم مصر، فى المقابل اعتبرت الشرائح المنتمية للمستوى الاقتصاد الأعلى أن السادات هو الأفضل. أما النتائج الأخرى فربما تثير بعض التساؤلات التى تحتاج إلى إجابات.

• لماذا ترتفع شعبية عبدالناصر بين الإناث وترتفع شعبية السادات بين الذكور، هل هى الكاريزما التى تُفتن بها النساء بدرجة أكبر؟ أم هى واقعية الرجال التى تؤدى بهم إلى تفضيل الاقتصاد الحر رغم عيوبه؟ هل يمكن تفسير الارتفاع النسبى فى شعبية عبدالناصر بين الإناث إلى الرغبة فى استرجاع سيطرة الدولة لتحقيق الانضباط الأمنى الذى تعانى المرأة من غيابه بدرجة أكبر من الرجال؟ أو لاسترجاع سيطرة الدولة لتحقيق الانضباط فى الأسعار المنفتحة والتى تضع ربة البيت فى مأزق دائم؟

• التفاوت الكبير بين شعبية عبدالناصر والسادات فى الوجهين القبلى والبحرى يدعو للاستغراب. فعلى الرغم من أن نسبة من يتذكر عبدالناصر لا تتجاوز الـ10%، ونسبة من يتذكر السادات لا تتجاوز الـ30%، إلا أن فكرة أن «الرئيس بلدياتى»، ربما تلعب دورا فى تفسير هذا التفاوت الجغرافى ولو جزئيا.

• بالنسبة لزيادة شعبية جمال عبدالناصر ما بين يونيو 2013 وفبراير 2014.

ما سبب التغير فى شعبية عبدالناصر خلال ثمانية شهور فقط؟ هل يُعزى ذلك التغير إلى التحولات السياسية التى شهدتها مصر خلال هذه الفترة والتى سقط فيها نموذج الدولة الدينية وبرز بديل الدولة العسكرية أو شبه العسكرية؟ هل ساهم الإعلام ربما دون أن يقصد فى زيادة شعبية عبدالناصر من خلال إثارة مشاعر الخوف من تهديدات خارجية ومن خلال المبالغة فى ترسيخ مفاهيم المؤامرة الدولية لاستهداف الدولة المصرية ومن خلال تنمية المشاعر العدائية تجاه الغرب المتعنت مع مصر؟ هل تستدعى حالة عدم الشعور بالأمان التى عاشها الشعب المصرى شخصية عبدالناصر؟ هل ساهمت حالة الفزع من انتشار الإرهاب فى تراجع أهمية ملف حقوق الإنسان ومن ثم تضاءل الانتقاد الرئيسى الموجه لنظام عبدالناصر؟

تساؤل آخر: هل قام الإخوان المسلمون ــ دون أن يقصدوا بعملية تجميل لعدوهم اللدود لإزالة تشوهات لحقت به من رفاق السلاح؟ وهل نجحوا فيما فشلت فيه الأحزاب المتعاطفة مع عبدالناصر؟

ولكن يبقى السؤال الأهم، ما دلالات ارتفاع شعبية عبدالناصر فى الأشهر الأخيرة على انتخابات الرئاسة المقبلة؟ وهل تعكس مزاجا شعبيا قد يؤثر على نتائج الانتخابات؟ وهل يحاول كل مرشح ــ بناء على هذه النتائج ــ أن يقنع الناخب أنه شبيه عبدالناصر؟



الشروق