Baseerasincolor - the campaign
<

الرأى العام والاستفتاء على الدستور


د.ماجد عثمان

ديسمبر-2012



كتبت هذا المقال قبل ظهور نتائج الاستفتاء على الدستور، وبغض النظر عن نتائج الاستفتاء وبغض النظر عن موقف المعارضين من المشاركة أو المقاطعة فإن النتائج التى أعرضها اليوم لها دلالاتها التى أظن أنه يجب التوقف عندها. ومع قناعتى بأن المناخ العام الذى نعيشة يدفع الجميع دفعا لعدم الإنصات إلا لما يوافق هواه ولعدم التدبر فى أى شىء حتى لو لم يتعارض مع العقل والمنطق، إلا أننى آثرت أن أعرض نتائج استطلاع للرأى العام أجراه المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» حول الاستفتاء على الدستور. وقد يقول البعض لقد تم الانتهاء من الاستفتاء وسبق السيف العذل، فما الداعى لإضاعة الوقت فى التعرف على اتجاهات الرأى العام نحوه. ولهؤلاء أقول إن عدم الاهتمام برصد ودراسة اتجاهات الرأى العام سواء بدافع الجهل أو من منطلق الاستخفاف يترتب عليه ثمن باهظ لا يقدر عليه أى فصيل سياسى فى مصر.

أجرى مركز بصيرة الاستطلاع للتعرف على موقف الشعب المصرى من الاستفتاء على الدستور. وقد تم إجراء الاستطلاع يومى 5 و6 ديسمبر ــ أى بعد إعلان الرئيس موعد الاستفتاء بثلاثة أيام ــ على عينة ممثلة للمجتمع المصرى قوامها 2234 مواطنا، ولم يحصل المركز على أى تمويل مباشر أو غير مباشر مقابل عمل هذا الاستطلاع.

وفيما يلى أهم النتائج التى أظهرها الاستطلاع والذى تم قبل 10 أيام من التاريخ المحدد للاستفتاء:

• 14% من المصريين لا يعرفون أن هناك استفتاء سوف يتم إجراؤه على مسودة الدستور، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 23% بين المصريين الذين لم يلتحقوا بالتعليم أو حصلوا على تعليم أقل من متوسط.

• بالنسبة لمن يعرفون بأن هناك استفتاء سوف يجرى، تم سؤالهم عما إذا كانوا يعرفون موعد الاستفتاء، وتشير النتائج إلى أن ربع المصريين لم يكونوا يعرفون موعد الاستفتاء، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 34% بين الذين لم يلتحقوا بالتعليم أو حصلوا على تعليم أقل من متوسط مقابل 8% بين الحاصلين على تعليم جامعى أو أعلى.

• تم سؤال المستجيبين عن نيتهم فى المشاركة فى الاستفتاء فى حالة وجود إشراف قضائى، وقد ذكر 75% من المصريين أنهم ينوون المشاركة فى الاستفتاء فى حالة وجود إشراف قضائى وذكر 12% أنهم لن يشاركوا، وذكر 13% أنهم غير متأكدين من المشاركة.

• فى حالة عدم وجود إشراف قضائى ذكر 38% أنهم سيشاركون فى الاستفتاء حتى فى حالة عدم وجود إشراف قضائى، وبلغت نسبة من قالوا إنهم لن يشاركوا 43% وذكر 19% أنهم غير متأكدين من المشاركة.

• الانخفاض الكبير فى نسب المشاركة فى حالة عدم وجود إشراف قضائى (من 75% إلى 38%) يعكس درجة الثقة التى يتمتع بها القضاء المصرى، ويعكس الارتباط المستقر فى وجدان المصريين بين غياب الإشراف القضائى وعدم نزاهة الانتخابات.

• عند سؤال المواطنين عن توقعاتهم لنزاهة الاستفتاء، ذكر نحو ثلث المصريين أن الاستفتاء سيكون نزيها فى كل الأحوال بينما ارتأى 17% أنه سيكون نزيها فقط فى حالة وجود إشراف قضائى و16% يرون أنه لن يكون نزيها فى كل الأحوال، بينما أوضح 34% أنهم لا يستطيعون الحكم على نزاهة الاستفتاء.

• فى محاولة للتعرف على مدى متابعة المصريين من خلال التليفزيون لجلسة اللجنة التأسيسية التى امتدت حتى فجر اليوم التالى والتى انتهت بإقرار المسودة النهائية للدستور، ذكر 55% من المصريين أنهم لم يتابعوها.

• وعكست الإجابة عن السؤال الخاص بمدى إطلاع المصريين على مسودة الدستور إلى أن 7% فقط ذكروا أنهم قرأوا مسودة الستور كلها وذكر 18% أنهم قرأوا بعض مواد مسودة الدستور، وفى المقابل ذكر نحو ثلاثة أرباع المصريين أنهم لم يطلعوا على المسودة على الإطلاق.

• ويرى أكثر من نصف المصريين (57%) أن 15 يوما ــ وهى المدة بين دعوة المصريين للاستفتاء وموعد الاستفتاء ــ غير كافية لدراسة الدستور.

ومع حرصى الشديد على أن أعرض النتائج بطريقة مجردة وبدون أى تحيز، إلا أننى أجد لزاما أن أستدعى بعض المعلومات التى تعلمتها من قراءات حول التحول الديمقراطى فى الدول الأخرى وحول آليات إعداد وتعديل الدساتير، وفى ضوء ما استمعت إليه فى ندوة نظمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى تونس منذ نحو عام عن تجارب الدول فى إعداد الدساتير. ولا أدعى ــ بداية ــ أننى خبير فى هذا المجال ولكن ما لاحظته دائما فى هذه الكتابات هو الحديث عن شقين متلازمين عند إعداد دستور جديد: الشق الأول هو محتوى الدستور (content) والشق الثانى هو آليات إقراره (process). ولن أتحدث عن محتوى الدستور لأن الكثيرين من الموافقين والمعترضين أدلوا بدلوهم على نحو لا يحتاج إلى إضافة. أما آليات إقرار الدستور فتجارب دول العالم فى هذا الشأن كان يحكمها السعى لأن ينتهى الدستور إلى وثيقة ذات طابع خاص يرتبط بها المواطن ارتباطا عضويا بغض النظر عن مستواه العلمى والثقافى.

ويتحول الدستور بفضل الأنشطة التى تسبق طرحه للاستفتاء إلى كائن حى يلازم كل مواطن. ويجد كل مواطن مواد يشعر أنها تخاطبه وتحفظ له حقوقه وتُعنى بهمومه. بل إن عددا من دول العالم كانت تطرح المواد الخاصة بالطفل فى مسودات الدستور للنقاش فى المدارس الابتدائية على الرغم من أن تلاميذ المرحلة الابتدائية ليس لهم حق التصويت، وكان الدافع هو غرس أسس المواطنة واحترام دولة القانون ومعرفة الحقوق فى المواطن منذ نعومة أظافره.

ومع التسليم بأن أى دستور لن يحظى بموافقة الجميع وسنجد دائما اختلافات بين الآراء وهى ظاهرة لها إيجابياتها، إلا أن الإنجاز الحقيقى الذى كنا نتمناه، هو ألا يتحول الاستفتاء على الدستور إلى معركة يظنها كل طرف معركة بين الحق والباطل. وأعتقد أن جميع الأطراف لم تبذل جهدا كافيا لتغيير هذا المشهد، وإن كانت مسئولية الطرف الحاكم تفوق ــ بطبيعة الأمور ــ مسئولية الطرف المعارض سواء كان ذلك فى جنى ثمار النجاح أو جنى أشواك الإخفاق.

وربما لو كنا أخذنا بما أخذت به الدول الأخرى فى كتابة الدساتير ــ ليس من حيث المحتوى ــ ولكن من حيث آليات الإقرار لكان يوم الاستفتاء عرسا للجميع، لمن قال نعم ولم قال لا، تخرج منه الأطراف المتنافسة وهى أكثر قدرة على العمل معا حتى لو اختلفت مرئياتها وتباعدت ميادينها. وتدرك أنهم مهما اختلفوا فهم ركاب سفينة واحدة تمضى فى بحر تتلاطم أمواجه، وأن خرق السفينة ليس هو الحل.



الشروق