Baseerasincolor - the campaign
<

خطاب الرئيس والحقائق الغائبة


د.حنان جرجس

أكتوبر-2014



يعد نقص المعلومات مشكلة التخطيط في أي دولة، فالتخطيط في غياب المعلومات أو في ضوء معلومات غير مدققة يفضي في النهاية إلى نتائج غير صحيحة، ويبدو ذلك واضحاً في العديد من المجالات في مصر ومنها ما يحدث في التخطيط في قطاع التعليم. فقد تحدث الرئيس السيسي إلى الشعب يوم 6 سبتمبر في أعقاب أزمة انقطاع الكهرباء عن معظم محافظات مصر، وقد غطى حديث الرئيس العديد من الأزمات التي تعيشها مصر ومنها أزمة الصرف الصحي وأزمة التعليم. وفي حديثه، أكد الرئيس على أنه لا يمكننا حل مشكلاتنا إلا إذا كنا على دراية بالمشكلات وبحجمها ولدينا قدرة على حلها، ولعل هذا ما دفعني لكتابة هذا المقال.

لقد جاء في خطاب الرئيس أنه كان من المخطط أن يتم بناء من 100 إلى 150 مدرسة كل عام، وأنه في هذا العام نجحت مصر في بناء 1150 مدرسة بمساعدة رجال الأعمال والأشقاء وتخصيص موازنة إضافية للتعليم، أي أن بناء هذا العدد من المدارس احتاج إلى اتخاذ إجراءات استثنائية من قبل الدولة. وبالرغم من ذلك فإن بناء 1150 مدرسة في سنة بالنسبة للحالة التي تشهدها مصر من عدم الاستقرار وضعف الاقتصاد يعد إنجازاً، لكن ما غاب عن خطاب الرئيس هو حقيقة أن بناء 150 مدرسة أو حتى 1150 مدرسة سنوياً لن يحل أزمة التعليم التي تشهدها مصر.

وحتى يدرك القارئ أبعاد هذه الأزمة سأسرد هنا بعض الأرقام المتعلقة بالتعليم في مصر:

أولاً: يبلغ عدد المدارس الابتدائية في مصر حوالي 18 ألف مدرسة بها 231 ألف فصل يدرس بها 9.9 مليون تلميذ.

ثانياً: يبلغ متوسط عدد التلاميذ في الفصل في المرحلة الابتدائية– وهو ما يطلق عليه كثافة الفصل- 43 تلميذًأ في كل فصل على مستوى الجمهورية، وتزيد هذه الكثافة في كثير من المدارس الحكومية في بعض المحافظات على 90 تلميذًا في الفصل.

ثالثاً: شهدت مصر خلال السنوات الثماني الماضية ارتفاعاً كبيراً في عدد المواليد السنوي فقد ارتفع عدد المواليد من 1.85 مليون مولود في عام 2006 إلى 2.6 مليون مولود في عام 2012 واستمر عند هذا الحد في 2013، وهو ما يعني زيادة المواليد في ست سنوات بنسبة 41% وهي زيادة غير مسبوقة في مصر.

وحتى تستطيع مصر استيعاب مواليد عام 2012 بالمدارس الابتدائية عندما يبلغون من العمر 6 سنوات في سنة 2018 تحتاج مصر إلى إضافة 92 ألف فصل بما يعادل 7000 مدرسة جديدة وذلك بافتراض أن استمرار كثافة الفصل المرتفعة أمر مقبول. وبالتالي إذا بدأ إنشاء هذه المدارس في عام 2014 يكون من الضروري بناء 1400 مدرسة ابتدائية كل عام لاستيعاب هؤلاء التلاميذ.

وسيكون لزاماً على الدولة استيعاب هؤلاء التلاميذ في التعليم الإعدادي ابتداءً من عام 2024، وهو ما يعني بحسبة بسيطة أنه ابتداء من هذا العام يجب أن تعمل الدولة على بناء 700 مدرسة إعدادية بكل منها 13 فصلا. أي أنه إجمالاً تحتاج مصر لاستيعاب المواليد الجدد في المدارس بنفس كثافة الفصول العالية -التي هي أحد أسباب تردي جودة التعليم في مصر-أن يتم بناء 2100 مدرسة سنوياً أي ضعف المدارس التي تم بناؤها هذا العام، وبالتالي المزيد من الإجراءات الاستثنائية التي قد لا تستطيع الدولة القيام بها. وإذا فكرنا في كيفية استيعاب هؤلاء التلاميذ بعد ذلك في التعليم الثانوي والجامعي سيكون عبئًا على الدولة قد لا تستطيع معه أن تحرك ساكناً في ظل استمرار سياسات التعليم الحالية.

وحتى تستطيع مصر الخروج من هذه الأزمة يجب أن تتخذ خطوات سريعة لوقف الزيادة السكانية الرهيبة التي تحدث، والاتجاه لوضع حلول غير تقليدية للتعليم، ومصر بها نماذج ناجحة من المدارس المجتمعية ومدارس الفصل الواحد التي قد حققت نجاحاً ربما يفوق النجاح الذي يحققه التعليم في المدارس النظامية العادية. كما يمكن أيضاً الاستفادة من دراسة أنظمة التعليم التي شهدت نجاحاً كبيراً في دول أخرى عانت منذ سنوات من نفس مشكلاتنا أو من مشكلات مشابهة في التعليم واستطاعت بهذه الأنظمة التغلب عليها.

السيد رئيس الجمهورية، أضع هذه الحقائق أمامكم حتى نتعرف على حجم المشكلة ونستطيع حلها بصورة جذرية، ولا أقصد مشكلة التعليم فقط فالزيادة السكانية الحالية ستؤثر على كل القطاعات الخدمية والمرافق بالدولة بصورة لن تنفع معها المسكنات أو الحلول التقليدية.



المصري اليوم