Baseerasincolor - the campaign
<

البوصلة تشير إلى الجنوب


د.حنان جرجس

ديسمبر-2013



تعلمنا فى المدرسة الابتدائية أن البوصلة دائمًا ما يتجه مؤشرها إلى الشمال، إلا أن مصر اليوم تواجه العديد من المشكلات الخطيرة على رأسها مشكلة السكان بكل أبعادها، والتى كلما حركنا بوصلتها تشير إلى الجنوب، جنوب مصر أو الوجه القبلى الغنى بخيرات مصر وآثارها، وحيث يزداد سحر الطبيعة وجمالها، وعلى العكس يزداد قبح الصورة التى ترسمها مؤشرات السكان لهذه المنطقة.

فمن بين الألف قرية الأكثر فقرًا تقع 941 قرية فى الوجه القبلى يعيش فيها أكثر من 10 ملايين فرد منهم 4.6 مليون شخص يعتبرون تحت خط الفقر، فى حين أن الوجه البحرى به 59 قرية فقط من القرى الأكثر فقرًا يعيش فيها أقل من 1% من عدد السكان الذين يعيشون فى القرى الأكثر فقرًا فى الوجه القبلى، وتعيش نسبة كبيرة من سكان الوجه القبلى وريفه على الأخص فى بيئة غير صحية حيث تشير الإحصاءات إلى أن واحدة من كل 8 أسر فى الوجه القبلى لم يتم توصيل مياه الشرب لمسكنها وتستخدم مصادر أخرى لمياه الشرب كالحنفيات العامة والآبار، كما أن واحدة فقط من كل 3 أسر مساكنها موصلة بشبكة الصرف الصحى العامة، والوضع أسوأ فى ريف الوجه القبلى حيث واحدة فقط من كل 7 أسر مساكنها موصلة بشبكة الصرف الصحى العامة.

وإذا نظرنا إلى خصائص سكان الوجه القبلى نجد أن نسبة الأمية تصل إلى 35% حسب تعداد عام 2006 الذى أجراه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وهو ما يعنى أن 1 من كل 3 من سكان الوجه القبلى لا يستطيع القراءة، أما بين الإناث فنجد أن واحدة من كل اثنتين لا تستطيع القراءة، وفى ضوء هذا المستوى المرتفع للأمية خاصةً بين الإناث نجد انتشار ظاهرة الزواج المبكر، حيث إن نصف السيدات فى الوجه القبلى تزوجن قبل أن يتممن عامهن العشرين ونصف السيدات أنجبن أول طفل قبل أن يتممن عامهن الثانى والعشرين، وحتى فى الأجيال الجديدة ما زال الزواج المبكر منتشرًا بين الإناث، فآخر إحصائيات تشير إلى أنه فى عام 2008 كانت واحدة من كل 10 بنات فى حضر الوجه القبلى وواحدة من كل 5 بنات فى ريف الوجه القبلى فى العمر من 15-19 سنة متزوجات.

ولا يؤثر الزواج المبكر على حالة السيدات الصحية وحالة أطفالهن الذين ستنجبهم فى هذه السن الصغيرة فقط، بل إن الزواج المبكر أيضًا يجعل الفترة المتاحة للسيدات للإنجاب أطول وبالتالى ينجبن عدد أكبر من الأطفال، وقد بلغ عدد المواليد فى مصر فى عام 2012 حوالى 2.6 مليون مولود منهم حوالى 1.1 مولود فى الوجه القبلى، وفى المتوسط كل امرأة فى الوجه القبلى تنجب 3.4 طفل خلال حياتها الإنجابية -وهو أعلى من المستوى المرغوب والذى يؤدى إلى ثبات عدد سكان مصر بحوالى 1.4 طفل لكل سيدة- كما أنه عدد يزيد بفارق حوالى طفل لكل سيدة عن الوجه البحرى، ومن بين الأطفال الذين تنجبهم المرأة فى الوجه القبلى هناك طفل على الأقل لم يكن مرغوبًا فيه من قبل الأسرة ولم تخطط الأسرة لإنجابه وفى الغالب ترجع المشكلة إلى عدم استخدام الزوجين لأى وسيلة من وسائل تنظيم الأسرة أو لفشل الوسيلة التى يستخدمونها لمنع السيدة من التعرض للحمل، وبالتالى فمساعدة الأسر على تجنب هذا الطفل يمكن أن تخفض عدد مواليد الوجه القبلى بحوالى 25% وهو ما يعنى خفض عدد مواليد مصر بأكثر من 270 ألف مولود، وهو أمر يمكن إنجازه بسرعة بتوفير خدمات الصحة الإنجابية للأسر فى صعيد مصر.

وتوضح مؤشرات رعاية الأمومة الواردة فى آخر دورة للمسح السكانى الصحى أن 2 من كل 5 ولادات فى الوجه القبلى تتم فى المنزل وهو بالطبع مكان غير مجهز للولادة ويصعب فيه تدارك أى مشكلة تتعرض لها الأم أو الجنين أثناء الولادة ما يشكل خطرًا على حياة الأم والمولود.

ورغم أن الصورة تبدو قاتمة إلا أن هناك دائمًا طاقة نور يمكن أن تبدد جزءًا من الظلام وهى أنه كلما كانت المؤشرات منخفضة بهذه الصورة كلما أمكن تحسينها بصورة أسرع بمجهودات أقل، وهنا يأتى الدور على مؤسسات الدولة المنوط بها تحمل مسئولية حل هذه المشكلة، حيث يكمن الحل فى أن تتجه بوصلة هذه المؤسسات إلى الجنوب أيضًا والعمل على حل المشكلة من خلال:

 رفع وعى أبناء صعيد مصر بمشكلة الزيادة السكانية بمحاورها المختلفة وتشجيعهم على تعليم بناتهم وعدم التخلص من عبء البنت بتزويجها فى سن صغيرة، وكذلك رفع وعيهم بأهمية تنظيم الأسرة والاكتفاء بطفلين فقط.

 وضع البرامج التى من شأنها إدماج المرأة فى سوق العمل ما يضع أمامها أهدافًا أسمى من مجرد إنجاب الأبناء.

 توفير الخدمات التعليمية وخدمات الصحة العامة والصحة الإنجابية لأبناء صعيد مصر.

 توجيه الاستثمارات للوجه القبلى لتوفير فرص عمل لأبنائه وبناته لتحسين مستويات معيشتهم.



اليوم السابع