Baseerasincolor - the campaign
<

هل يدرك المصريون حقيقة المشكلة السكانية في مصر


د.حنان جرجس

نوفمبر-2013



تعانى مصر من مشكلة السكان منذ عقود طويلة، وقد أدرك قادة مصر هذه المشكلة واهتموا بها بدرجات متفاوتة ابتداءً من جمال عبد الناصر وانتهاءً بحسنى مبارك، وأقول انتهاءً بحسنى مبارك لأنه منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير لم تلقَ هذه المشكلة أى اهتمام أو تحرك لتخفيف حدتها.

والمشكلة السكانية فى مصر لها 3 أبعاد، أولها الزيادة السكانية الكبيرة الناتجة عن ارتفاع أعداد المواليد، وثانيها سوء توزيع السكان على مناطق الجمهورية المختلفة وانحسار السكان فى الحياة على شريط النيل الضيق والدلتا، وثالثها تدنى خصائص السكان حيث ترتفع نسبة الأمية بين السكان خاصةً الإناث كما يعانى السكان من تراجع المستوى الصحى وغيره.

ولعل أحد الأسباب الكامنة وراء المشكلة السكانية وخاصةً بُعد الزيادة السكانية غياب الحقائق عن الجمهور العام المصرى مما يجعلهم غير مدركين للمشكلة السكانية وأثارها على حياتهم. ففى عام 2012 رزقت مصر بحوالى 2.6 مليون مولود وهو عدد أكبر من عدد مواليد عام 2011 بحوالى 200 ألف مولود وأكبر من عدد مواليد 2010 بحوالى 360 ألف مولود. فهل مصر قادرة على هذه الزيادة فى أعداد السكان بل على الزيادة أيضاً فى العدد المطلق للمواليد كل عام عن العام السابق له؟

لقد تناولت معظم السياسات وبرامج التوعية والحملات الإعلامية والأعمال الدرامية مشكلة السكان من منطلق قدرة الأسرة على تحمل مسئولية تربية طفل جديد، لكن أياً منها لم تناقش مشكلة السكان من بعد قومى، فإذا كانت الأسرة قادرة على تحمل مسئولية تربية طفل جديد هل مصر قادرة على تحمل هذه المسئولية؟ هل الموارد فى مصر تسمح بالزيادة الرهيبة التى تحدث فى السكان كل عام دون أن يسبب ذلك خلل فى البلد؟ إذا كان الشخص قادر على تحمل تكلفة تربية وتغذية وتعليم طفل آخر وتوفير نفقة علاجه وغيره فهل مصر قادرة على بناء مدارس جديدة لاستيعاب هؤلاء الأطفال وقادرة على بناء مستشفيات جديدة وقادرة على بناء مساكن وكبارى جديدة وتوفير مصادر للطاقة، وقبل كل ذلك قادرة على توفير المياه والغذاء لهؤلاء الأطفال؟

وفى هذا الصدد يشير استطلاع للرأى أجرى فى عام 2010 إلى أن واحد فقط من كل ستة من المصريين لا يرى أن مصر بها مشكلة سكانية، وهى نسبة تدعو إلى التفاؤل بقدرة المصريين على الحكم على وضع مصر وإدراكهم لوجود مشكلة سكانية، وربما يأتى هذا الإدراك من معايشة المصريين اليومية لتبعات الزيادة السكانية والتى نراها فى ازدحام الشوارع والطوابير على منافذ الخبز والخدمات المختلفة، لكن ما يثير القلق هو عدم دراية المصريين بمحدودية موارد مصر.

فبالرغم من أن نصيب مصر من مياه النيل ثابت وأن مصر أصبحت تحت خط الفقر المائى وهو الحد الكافى من المياه الذى يسمح للأفراد أن يعيشوا حياة صحية سليمة حيث يبلغ نصيب الفرد فى مصر من مياه النيل ثلثى هذه الكمية، إلا أن 1 من كل 2 من الشباب غير المتزوجين فى العمر من 18 إلى 35 سنة لا يرى أن مصر بها مشكلة نقص فى الموارد المائية. كما أن الإحصاءات تظهر أن مصر تستورد أكثر من نصف استهلاكها من القمح و63% من استهلاكها من الفول كما أنها لم تحقق الاكتفاء الذاتى من أى من المنتجات الزراعية –فيما عدا الأرز- أو اللحوم، إلا أن 1 من كل 3 من الشباب غير المتزوجين فى العمر من 18 إلى 35 لا يرى أن هناك نقص فى إنتاج الأرض الزراعية عما يحتاجه السكان فى مصر.

وبالتالى فنسبة كبيرة من الشباب الذين سيبدأون خلال السنوات القادمة تكوين أسر جديدة ويتخذون قرارات متعلقة بالإنجاب لا يدركون مشكلة نقص الموارد الطبيعية فى مصر وعدم كفايتها لتغطية احتياجات المواطنين المصريين، وهو ما قد يؤدى إلى إنجاب عدد من المواليد أكثر من الحد الذى تتحمله مصر طالما هم كأفراد يشعرون أن لديهم قدرة على تربية هؤلاء المواليد.

ولعل هذه المشكلة ستتفاقم أكثر مع انخفاض إنتاجية الدولة وإزدياد حجم مديونياتها وانخفاض درجة تصنيفها الائتمانى نتيجة عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية، وهو ما سيؤدى إلى عدم وجود موارد مالية تغطى من خلالها الدولة تكلفة استيراد الفارق بين ما تنتجة مصر من مواد غذائية وما يحتاجه الشعب من هذه المواد، وتصبح مصر عاجزة عن تغطية احتياجات أبنائها من الماء والغذاء.

لذا فالسياسة السكانية فى المرحلة القادمة يجب أن تقوم قبل كل شئ على المكاشفة وإنتاج وإتاحة المعلومات المحدثة عن وضع مصر وتوصيل هذه المعلومات للمصريين ودفعهم للتفكير فى المشكلة السكانية من خلال بعد قومى يقوم على التفكير فى قدرة الدولة على الاستمرار مع هذه الزيادة السكانية وليس فقط على قدرة الأفراد على تحمل تكلفة الطفل المادية والمعنوية.



اليوم السابع