Baseerasincolor - the campaign
<

ثورة 25 يناير بعد ألف ليلة


د.ماجد عثمان

أكتوبر-2013



يصادف اليوم مرور ألف يوم على ثورة 25 يناير 2011.

وتعيد هذه الذكرى إلى الأذهان الشعارات الصادقة للثوار التى كانت تدور حول قيم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وتعيد إلى الأذهان ترابط الثوار وتوحدهم حول هدف واحد وتطور هذا الهدف على مدار 18 يوما حتى نجح فى إزاحة النظام. كما تعيد إلى الأذهان رومانسية الثورة وسموها والتى تجلت فى وحدة وطنية مبهرة وصور مشرقة لإصرار على الهدف لا يخلو من سلمية. وأخيرا تعيد إلى الأذهان سلوكيات حضرية راقية من الاحترام المتبادل (حيث اختفت ظاهرة التحرش) ومن حفاظ على الممتلكات العامة (تجلت فى أروع صورها بتنظيف الميادين والشوارع).

كان من الممكن أن تستمر قوة الدفع التى ولدتها الثورة فى المضى فى طريق التحول الديمقراطى ولا يسقط المصريون فى مصيدة التصنيف والتخوين والتكفير التى أدت بنا إلى مرحلة من الاستقطاب والفرقة والاقتتال. وحتى عندما وصلت مصر إلى محطة فارقة فى التحول الديمقراطى وهى الانتخابات الرئاسية، لم ينتج عنها سوى مسخ ديمقراطى ما لبث أن سقط عنه القناع ليظهر ديكتاتورية خرجت من رحم إجراءات ديمقراطية. ثم ساهم سوء الأداء وغيبة المشروع الأخلاقى فى سقوط نموذج كان يعلق الكثيرون الأمل عليه. وعجل فى سرعة الانهيار الذى كان أشبه بالانتحار ممارسة للإقصاء غير مبرر لكل الأطراف، وإصرار على الدخول فى معارك غير ضرورية مع قوى سياسية وشرائح اجتماعية مؤثرة. وكان الخيار المر فى عزل رئيس منتخب هو البديل الأفضل حماية للوطن من الدخول فى حالة اقتتال تؤدى إلى حرب أهلية لا يعرف سوى الله مداها أو مدتها أو سبيل الخروج منها.

وبعد سقوط نظام الإخوان مرت الأشهر الأخيرة لتحمل مزيدا من القلق على مستقبل وطن اشتدت فيه درجة الكراهية للآخر، وتأجل بناء المستقبل لحين الإجهاز على الآخر. ومع التسليم بأن جماعة الإخوان تتحمل المسئولية الأكبر لما وصل إليه الوطن. إلا أن أطرافا أخرى أيضا تشارك فى المسئولية. ولا أقصد مسئولية اللحظة الراهنة وإنما أقصد مسئولية السنة والنصف الماضية. إن غياب الدروس المستفادة فى التعامل مع تيار الإسلام السياسى والتى ازدحم بها تاريخ مصر الحديث، وتراجع الخيال السياسى والإبداع فى طرح رؤى توافقية، وتزايد الإصرار فى البعد عن المسارات التى يخرج منها الكل فائزا حتى لو أدت بنا إلى الوصول إلى حالة يكون الكل فيها خاسرا، كل ذلك أدى بنا إلى موقف بعيد كل البعد عن قيم طرحتها ثورة 25 يناير ولكن لم يكتب لها الاستمرار.

تذكرنى هذه الخواطر بمؤتمر مهم عقد فى القاهرة فى يونيو 2011 والمؤتمر الذى أقصده هو «المنتدى الدولى حول مسارات التحول الديمقراطى» الذى نظمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائى بالتعاون مع الحكومة المصرية. وقد كان الهدف من هذا المنتدى التعرف على الدروس المستفادة من تجارب دول أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا فى عملية التحول نحو الديمقراطية والتوصل إلى فهم أفضل للأنماط المختلفة للتحولات الديمقراطية، حتى تبدأ مصر من حيث انتهى الآخرون، وتستفيد من تجارب ناجحة، ولا تعيد إنتاج وصفات فاشلة. وقد شارك فى أعمال هذا المؤتمر رؤساء دول وحكومات ووزراء سابقون ممن شاركوا فى عملية التحول الديمقراطى فى شيلى وأندونيسيا وألمانيا (الشرقية) وجنوب أفريقيا والأرجنتين والمكسيك. وعلى الرغم من التسليم بأن لكل دولة خصوصيتها إلا أن هناك دروسا أرى أن إهمالها والتغاضى عنها عرض التجربة المصرية فى التحول الديمقراطى للخطر وربما للإجهاض.

● الدرس الأول: يمكن القول إن خبرات الدول الأخرى أظهرت أنه على الرغم من عيوب النظام الديمقراطى وتنامى الاستياء من بعض مؤسساته خلال المرحلة الانتقالية، إلا أن الدول التى حققت نجاحات فى الأجل الطويل هى الدول التى التزمت بتعميق الديمقراطية. وهذا درس يجب أن نستوعبه فى الظرف الحالى الذى يزين لفكرة استبدال الفاشية الدينية التى ولدت من رحم انتخابات ديمقراطية ببديل غير ديمقراطى أو بديمقراطية غير مكتملة. وقد تكون الأسباب التى يسوقها البعض للإقبال الحذر على المسار الديمقراطى لها وجاهتها فى الأجل القصير جدا إلا أنها قد تكون مدمرة فى الأجل الطويل بل والمتوسط أيضا. وهو درس يجب أن نستوعبه ولا نجعل من أنفسنا حقلا لتجارب نعلم مسبقا أنها محكوم عليها بالفشل.

● الدرس الثانى: أظهرت خبرات الدول الأخرى أن المحصلة النهائية للتحول الديمقراطى فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية قد مالت إلى تحقيق الحد الأدنى من الاحترام للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دون أن تبلغ مرحلة الإنجاز الفعلى الملموس فى إعادة توزيع الثروة بشكل عادل. وفى السياق المصرى، فإن تحقيق العدالة الاجتماعية والذى كان مطلبا جماهيريا لثورة 25 يناير يبدو بمثابة التحدى الأكبر، ليس فقط لصعوبة تطبيقه فى ظل تعثر الاقتصاد، ولكن أيضا بسبب تأثير أصحاب الصوت العالى. وأصحاب الصوت العالى ليسوا فى الغالب الفئات الأولى بالرعاية ولكن لديهم القدرة على اجتذاب القدر الأكبر من الاهتمام الرسمى والإعلامى وعلى احتلال مساحة أكبر فى المجال العام تسمح لهم باقتناص مزايا هناك من هم أولى بها. وبالتالى نقع فى مأزق تعميق الظلم الاجتماعى تحت تأثير الضغوط السياسية من ناحية وضعف الموارد من ناحية أخرى.

● الدرس الثالث: إن غياب مؤسسات مدنية قوية وإضعاف المؤسسات القائمة أو عدم بناء مؤسسات جديدة سواء كانت حكومية أو غير حكومية يحرم عملية التحول الديمقراطى من التراكم ومن الاستفادة من الذكاء الجمعى فتقع التجربة الديمقراطية الوليدة فى مصيدة تكرار أخطاء الماضى القريب والماضى البعيد وتعيد انتاج الفشل تحت مظلة الثورة. وفى النهاية، تترك القيادة فى يد أفراد دون ظهير مؤسسى ويشخصن بناء المستقبل ويترك للصدفة. ومع صعوبة التحديات وحدة التنافس غير الشريف وغياب الخبرات ما يلبث هؤلاء الأشخاص أن يفشلوا وتسلم كل قيادة راية الفشل للقيادة التى تليها ليتعمق الإحساس بالإحباط وينسب الفشل الفردى للثورة ذاتها. وإذا نظرنا للواقع المصرى، نجد أن الطريق إلى تقوية المؤسسات الحكومية إرتبط فى أذهان الكثيرين بنسف هذه المؤسسات لإعادة بنائها على أساس سليم وهى نظرية قد تصلح فى تشييد مبنى أسمنتى أما تعميمها على مؤسسات فيجب أن يكون محل نظر. أما بالنسبة للمؤسسات غير الحكومية والتى خرجت من القمقم بعد ثورة 25 يناير ومع قناعة كل الإصلاحيين بأهمية دورها إلا أن محاولات إعادتها إلى القمقم تدور على قدم وساق، بدعاوى فيها كثير من المبالغة والتعميم المخل الذى ينتهى إلى صورة من صور العقاب الجماعى.

ويمكن القول إن الـ 1000 يوم الأخيرة والتى شهدت كثيرا من التحولات الإيجابية فى طبيعة المواطن المصرى مثل: كسر حاجز الخوف وزيادة الاهتمام بالشأن العام والتمسك بالحق فى مساءلة الحاكم. لم تشهد على التوازى انفتاحا فى المسار الديمقراطى، أو فى تطبيق العدالة الاجتماعية، أو فى تقوية المؤسسات القائمة وبناء مؤسسات جديدة تحمل لواء التحول الديمقراطى. ويحتاج المجتمع المصرى حتى يتم وضع مصر على بداية الطريق الصحيح إلى العمل على التوازى فى تنشيط المسار الديمقراطى دون الخضوع لابتزاز أعداء الديمقراطية، وفى تفعيل العدالة الاجتماعية دون الخضوع لتأثير الانتهازيين من أصحاب المصالح، وفى بناء مؤسسات المجتمع المدنى وتقوية المؤسسات الحكومية دون التفات لدعاوى أنصار الدولة العميقة، وهو تحدٍ لا يمكن التقليل من شأنه.



الشروق