Baseerasincolor - the campaign
<

أكتوبر.. نصر حاسم ومسيرة لم تكتمل


د.ماجد عثمان

أكتوبر-2013



يصادف اليوم مرور 40 عاما على حرب السادس من أكتوبر، ولمن عاش هذه الفترة العصيبة من تاريخ مصر، فإن حرب أكتوبر هى بلا شك من أهم الأحداث فى تاريخ مصر خلال القرن العشرين، إن لم تكن أهمها على الإطلاق. ربما يعتبر البعض أن هذه الحرب كانت مجرد إعادة تصحيح ما نتج عن حرب يونيو 1967. ومع التسليم بأن تحرير أرض مصرية وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلى هو عمل مشرف بكل المقاييس لاسيما وأنه تم فى ظل مناخ دولى وإقليمى عامر بالتحديات، إلا أن حرب السادس من أكتوبر لا يمكن اختزالها فى مجرد تحرير الأرض المحتلة. والجيل الذى عاصر هذه الفترة لا ينسى مرارة فترة ما بعد حرب يونيو، والشعور الداخلى بالانكسار الذى عانى منه المصريون حتى أعادت حرب أكتوبر للمصريين توازنهم وثقتهم بالنفس. وإعادة الثقة بالنفس لم تكن للقوات المسلحة فحسب ولم تكن للشعب المصرى فقط وإنما كانت لكل الأمة العربية.

وعلى المستوى الوطنى، تحقيق انتصار عسكرى فى حرب حاسمة كحرب السادس من أكتوبر ليس انتصارا للعسكرية المصرية فقط وإنما هو انتصار للشعب المصرى كله. ذلك لأن تركيبة الجيش المصرى ليست تركيبة فئوية أو طبقية، كما هو الحال فى بعض الدول، وإنما يعتبر الجيش المصرى بمثابة البوتقة التى تنصهر فيها كل شرائح المجتمع، فهو يضم كل الطبقات الاجتماعية: أبناء القصور وسكان القبور، الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية والذين لم ينالوا نصيبا من العلم، القادم من الصعيد والقادم من الإسكندرية، المسلم والقبطى. يضحى جميعهم بكل غالٍ ونفيس وتختلط فيه دماء الشهداء لتسطر بحروف من نور كرامة أمة لا تملك أغلى من كبريائها.

وبالإضافة إلى الأداء الذى أذهل العالم وخيب آمال الأعداء ورفع رأس الأصدقاء فى أكتوبر 1973، فإن الشعب المصرى له سجل عامر بالإنجازات المذهلة مثل النجاح فى إدارة قناة السويس عند تأميمها، وبناء السد العالى، والنجاح فى مفاوضات طابا، والقيام بثورة يناير 2011، وإذا ما راجعنا تاريخنا نجد أن به المزيد. ولكن ما يميز هذه النجاحات أنها تأتى كما لو كانت أداء لحظيا ما يلبث أن يتلاشى ليعود الأداء إلى حالة من التردى. فعلى الرغم من أن أداء الجيش المصرى وأداء الظهير المدنى لحرب أكتوبر ارتقى إلى درجة التميز إلا أن هذا الزخم الذى ولدته حرب أكتوبر لم يتحول إلى طاقة إيجابية مستمرة فى إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية. وكان الأمل أن يصبح الأداء المتميز هو القاعدة بدلا من أن يكون استثناء، ولا يأتى كمجرد استجابة وقتية لتحد يشعر معه الشعب المصرى بالخطر وإنما منهج حياة لبناء المستقبل.

وعلى الرغم من أن الرئيس السادات كان سياسيا محنكا واستطاع أن يغير الصورة الذهنية لمصر فى العالم الغربى باقتدار فإنه لم يخط خطوات واضحة فى مجال الإصلاح السياسى وكان اهتمامه بالتحول الديمقراطى يقتصر على الحديث الذى لا يترجم إلى فعل. وعلى الرغم من أن القرار الذى اتخذه مجلس الشعب المصرى بإلغاء تحديد مدة الرئاسة بفترتين لم يكن قرار الرئيس ولكن كان بإمكانه أن يرفضه، ومن سخرية القدر أنه تحمل وزره واستفاد منه غيره. لا أقصد أن احمل الرجل المسئولية فربما لم يمهله القدر ليقوم بالتحول الديمقراطى، ولكنى أتحسر على فرصة ضائعة للتحول الديمقراطى المبكر، لو كان أقدم عليه الرئيس السادات بجسارته المعهودة لتغير وجه الحياة فى مصر ولمهد لنقل مصر إلى نادى الكبار والذى لحقت به دول عديدة كانت مصر أولى بذلك منها. رحم الله الرئيس السادات صاحب قرار الحرب فى ذكرى العبور وفى ذكرى رحيله.

إن تأمل مسيرة العقود الأربعة الأخيرة يخلص بنا إلى أن تأخر الإصلاح السياسى فى مصر والإيمان بنظرية التمهل والتدرج فى إجراء أى نوع من الإصلاح وليس فقط الإصلاح السياسى جعل مصر فى حالة مستمرة من الإصلاح بالتنقيط أو حالة من الـ«لا إصلاح»، وصاحبها حالة من عدم الاستمرار وعدم إحداث التراكم فى مواجهة أى مشكلة أو فى تنفيذ أى مشروع. فخلال العقود الأربعة الماضية تخلت الدولة عن الأوتوقراطية أحيانا لتستدعى الديمقراطية بشكل انتقائى فعانى المجتمع من مساوئ النظامين، لا استفاد من الإبداع والتفكير المستقل واستثمره والذى يوفره المناخ الديمقراطى، ولا حتى استفاد من الانضباط وتعود عليه والذى يوفره النظام الاوتوقراطى. وأرست الدولة فى ذهن المواطن ــ دون أن تقصد ــ توقعات كان يستدعى بناء عليها دور الدولة للحصول على حقوقه وينكر على الدولة سطوتها عندما يتعلق الأمر بالقيام بواجباته.

والمتأمل للوضع الحالى ولمجريات الأمور منذ تحقيق نصر أكتوبر يلاحظ تحولا فى أسلوب عمل مؤسسات الدولة وفى منهج حياة المواطن وفى منظومة القيم التى تحكم سلوكياته، ساهمت مجتمعة فى إضاعة الفرص وفى الوقوع فى الأخطاء وأشير فى هذا الصدد إلى ما يلى:

• أصبح الاستهلاك عقيدة مجتمع وتراجعت قيمة الإنتاج وقيمة العمل.

•أصبح الحصول على الشهادة هو الهدف وتراجعت قيم العلم والتعلم واكتساب المعرفة والمهارات والسلوكيات والقيم.

• استمرار النظر إلى الأرض باعتبارها وعاء للقيمة وليس أداة للتنمية.

• تردًّ كبير فى وضع المرأة المصرية وفى دورها فى المجال العام.

• عشوائية واضحة فى التنمية العمرانية، ربما بدأت نتيجة لعشوائية الفكر ثم أصبحت سببا للإصرار عليه كمنهج حياة.

• تراجع فى دور الدولة مع تزايد اعتمادية المواطن عليها وارتفاع سقف توقعاته منها، مع تهميش متعمد لدور المجتمع المدنى.

• ضعف فى درجة التماسك الاجتماعى وظهور واضح للتوترات فى العلاقات بين أبناء الوطن الواحد المسلم والمسيحى.

• نظرة مختلفة للدين باعتباره هوية وعدم التركيز على الأصول واستدعاء مبالغ فيه للفروع، نتج عنه فتن ليس فقط بين أصحاب الديانات المختلفة ولكن أيضا بين أبناء الدين الواحد.

لا أقصد بهذا الحديث أن أحمل مسئولية الفرص الضائعة لشخص معين فنحن جميعا مسئولون عن ذلك. ولكن يبقى السؤال الحائر لماذا يقوم المصريون بأعمال مدهشة فى لحظات تاريخية فارقة ثم يتحولون عنها فجأة، ويكتفون بإثبات أنهم سجلوا قدرتهم على التميز دون أن يحولوا هذا التميز إلى منهج حياة.



الشروق