Baseerasincolor - the campaign
<

فى حب الأوطان وكراهية الحكومة


د.ماجد عثمان

سبتمبر-2013



هل كراهية الحكومات شعور طبيعى؟

لا شك فى أن جميع المصريين يحبون مصر حبا جارفا وتتأجج مشاعرهم إذا ما وجهت لمصر أى إساءة. صحيح أن لكل منا طريقته فى الحب وصحيح أيضا أن مِنَ الحب ما قتل، ولكن من المؤكد أن مشاعر المصريين تجاه وطنهم هى مشاعر إيجابية، حتى وإن بدت تصرفات بعضهم مثل تصرف الدب الذى وجد ذبابة تقف على وجه صاحبه الذى كان يغط فى نومه، فألقى بحجر ليقتل الذبابة فهشم رأس صاحبه وطارت الذبابة دون أن يصيبها أذى وبالطبع لم يصح صاحبه من نومه.

أما المشاعر تجاه الحكومة فهى مشاعر سلبية فى مجملها، ولا أقصد بالحكومة الحكومة الحالية أو أى حكومة بذاتها ولكن هذه المشاعر أراها تتجدد كلما تغيرت الحكومات وكلما تغير الوزراء. ومن الواضح أن مخزون القهر قد تراكم منذ بدأت الذاكرة المصرية تعى ومنذ بدأت الجينات المصرية تُخزن التجارب السلبية فى علاقة الحكومات المتعاقبة بالشعب. وهو ما يدفع للتساؤل هل العلاقة بين حب الوطن وكراهية الحكومة هى علاقة سببية؟ أى هل حب الناس لأوطانهم يدفعهم بالضرورة لكراهية الحكومة؟ وهل هم منصفين فى ذلك؟

هذه الأسئلة ليست قاصرة على السياق المصرى وتنطبق على كثير من المجتمعات، ولكنها تطرح نفسها بشدة فى الحالة المصرية التى تتسم بتعقيد شديد يجعل كثيرا من المصطلحات ملتبسة.

ومن المهم قبل أن نسترسل فى الموضوع أن نتسائل هل يدرك المواطن الفارق بين الدولة والحكومة؟ وفى حالة إدراكه لوجود فارق بينهما فما هو هذا الفارق؟

إن مدركات المواطنين لماهية الحكومة والفرق بين الحكومة والدولة قد لا تتطابق مع التعريفات العلمية المتداولة فى كتب العلوم السياسية وكتب الإدارة العامة، فقد يختزل المواطن الحكومة فى عمدة ظالم أو عسكرى مرور مبتز أو مفتش صحة مرتشٍ أو مسئول جمعية زراعية متلاعب أو مهندس حى يقبل الحرام، أو موظف يُسخر البيروقراطية ليُحيل حياة المواطن إلى جحيم. ومن جهة أخرى، قد يتسع مفهوم الحكومة ليشمل مؤسسات أخرى فى الدولة مثل القضاء والأحزاب (لاسيما حزب الأغلبية) والبرلمان وربما أيضا اتحاد كرة القدم. وفى الحالتين تقتسم الحكومة الفشل مع الآخرين ولا تتقاسم معهم النجاحات.

وعلى الرغم من التفاوتات فى إدراك ماهية الحكومة فإن المواطن عادة لا يفرق بين مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء. وفى عهود ماضية كان رئيس الوزراء هو كبش الفداء الذى إن أحسن فإن ذلك يرجع لحكمة الرئيس وتوجيهاته السديدة وإن أساء فهو المسئول، على الرغم من أن الرئيس هو الذى أقر هذا التصرف وربما كان هو الذى أمر به. واستخفت الآلة الإعلامية بذكاء المواطن وكانت ــ إذا ما استشعرت سخطا شعبيا ــ تسوق لصورة رئيس الجمهورية الذى يسارع بإصلاح الأخطاء التى يرتكبها رئيس الوزراء أو الوزراء.

والثمن الباهظ الذى تدفعه الحكومة من شعبيتها يرجع فى أحيان كثيرة إلى غياب الشفافية وعدم الإفصاح عن كثير من المعلومات بشكل ممنهج. وبعض المعلومات التى يتم إخفاؤها عن غير قصد وبحكم التعود قد تكشف عن إنجازات تحققها الحكومة ولا تصل إلى المواطن، وبعض المعلومات التى لا يتم الكشف عنها عن قصد والتى تعبر عن إخفاق حكومى تكلفتها أيضا باهظة، لأنها قد تتعرض لتضخيم ومبالغة يزيد من إدراك المواطن بهذا الإخفاق.

وهذه الطاقة السلبية التى توجه للحكومة ــ بالمعنى الواسع الذى يستقر فى أذهان معظم المواطنين ــ لها تأثير لا يمكن التقليل منه فى التصويت فى الانتخابات. وأمثلة التصويت العقابى كثيرة نذكر منها انتخابات اتحادات الطلبة فى الجامعات المصرية والتى كانت تخضع فى فترة ما قبل ثورة يناير لتدخل الجهات الأمنية. فقد كانت تقوم بشطب المرشحين اليساريين فى بداية السبعينيات ثم اتجهت لشطب المرشحين المنتمين لتيارات الإسلام السياسى. وعلى الرغم من ذلك كانت الجماعات الإسلامية تفوز فى هذه الإنتخابات بنصيب وافر من المقاعد. ومن المثير للانتباه أن انتخابات السنة الماضية والتى تمت فى ظل حكم الإخوان المسلمين كانت نتيجتها غير مؤيدة لتيارات الإسلام السياسى، ومرشحى الإخوان والذين دخلوا الإنتخابات دون تعرضهم على الأرجح للشطب لم يحققوا نجاحات تقارن بالسنوات التى كانوا فيها ضحية لـ«حكومة». وهو ما يبدو مساندة من جمهور الناخبين لمن هو ضد الحكومة أكثر من كونه مساندة لتيار فكرى معين. وما حدث فى انتخابات اتحادات الطلبة حدث مثله فى انتخابات بعض النقابات: تفوق للتيارات الإسلامية إذا كانت فى موقع الضحية وإخفاق إذا كانت فى موقع الجلاد.

هذا المناخ المعقد يضع على الحكومة الحالية مسئولية كبيرة فى تحقيق قدر أكبر من التواصل الفعال مع المواطنين، ويجب أن تأخذ استراتيجية التواصل فى الإعتبار ما يليى:

• أن المواطن يُحمل الحكومة التى أمامه ما ورثته من مشكلات من حكومات سابقة وأصبح سريع الغضب ولا يلتمس لها العذر.

• أن التنوع مطلوب فى صياغة استراتيجة التواصل سواء فى مضمون الرسائل المناسبة للوصول إلى كل شرائح المواطنين العمرية والتعليمية والاقتصادية، أو فى أسلوب توصيل الرسائل نظرا للتنوع فى الأنساق المعرفية والتى لا تغفل توظيف التطور السريع فى أدوات تكنولوجيا الاتصالات.

• أن الصراع السياسى الذى تشهده مصر حاليا قد اكتسب بُعدا طبقيا يجب إدراكه وهو ما يتطلب استخدام رسائل ووسائل تتجنب ظهور المسئول الحكومى بمظهر متعالى حتى ولو كان ذلك عن غير قصد، وتتجنب تكريس النخبوية فى مجتمع ترتفع فيه معدلات الأمية والفقر (نسبة الجامعيين بين من لهم حق التصويت 15%). 

وعدم التواصل الفعال بين الحكومة والمواطن ــ وهو أحد الآفات التى لم تنج منها حكومة مصرية منذ سنوات طويلة ــ يترك الملعب مفتوحا على مصرعيه لتراجع شعبية الحكومة، لاسيما فى ظل مناخ عامر بالنخب التى تحترف المزايدة وإعلام يجد فى إفساح المجال للأخبار السيئة أحد أدوات مكافحة الفساد وتفعيل المساءلة الغائبة.

ولعل مناسبة إعداد دستور جديد للبلاد هى فرصة لا يجب تفويتها حتى يدرك المواطن ماهى صلاحيات ومسئوليات الحكومة وحتى يتعرف على المساحة التى يمكن للحكومة أن تتحرك فيها دون أن تجور على سلطات أخرى. والثقافة المجتمعية فى هذا المجال محدودة للغاية وأزعم أن الحكومة لها مصلحة مباشرة فى تثقيف المواطن بحدود صلاحياتها ومسئولياتها حتى لا تُحمل بأوزار لم ترتكبها ولا تُلصق بها توقعات لا تستطيع الوفاء بها.

مدير المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة)



الشروق