Baseerasincolor - the campaign
<

الخروج من الأزمة بمنهج الكل خاسر


د.ماجد عثمان

أغسطس-2013



عيد بأى حال جئت يا عيد، هل يأتى العيد بجديد أم يستمر المشهد السياسى بكل ما يحمل من عنف وخواء؟ عنف على المستوى الشعبى ينذر بشبح اقتتال لا يعلم إلا الله مداه، وخواء على مستوى النخب ينذر بإقصاء وتفريغ للعقلاء الذين يمكن أن يخرجوا الوطن من أزمته.

هناك فصيلان يحاولان فرض الحل الخاص بهما للخروج من الأزمة الراهنة: فصيل يفضل بقاء الإخوان على بقاء مصر وفصيل يفضل اختفاء الإخوان حتى لو أدى ذلك إلى حرق مصر.

وكلا الفصيلين مارسا خلال شهر رمضان كل الموبقات السياسية والأخلاقية وصاما عن تغليب مصلحة وطن يئن من الجراح ويزداد إحباطه من فجيعته فى نخبه. نخب كان يتصور المصريون أنها على درجة من التدين كان يجب أن تمنعهم من ممارسات صادمة وأن تدفعهم إلى مراجعة أخطاء الحكم، ونخب أخرى كان يتصور المصريون أنها على درجة من الالتزام بمبادئ ليبرالية من قبول الآخر والمساواة بين المواطنين وإعمال دولة القانون فإذا بهم ينقلبون على هذه المبادئ فى أول منعطف. وسقطت خلال الشهر الماضى ورقتى التوت: ورقة الدين وورقة الليبرالية.

فمن ناحية لجأت بعض قيادات الإسلام السياسى إلى استثمار الالتزام الحزبى الذى وصل إلى حد السمع والطاعة فى دفع شبابها إلى ممارسات تتسم بقدر عال من العنف وتعريضهم إلى مخاطر من منطلق استشهادى يخلط بين جهاد العدو والاختلاف مع أبناء الوطن. وفى المقابل، كرست نخب الطرف الآخر الكراهية بين جمهور الفصيلين وأبدعت فى شق الصف وتعميم أخطاء القيادات وفى جعل المصالحة أكثر صعوبة.

من المؤكد أن الإخوان فشلوا فشلا ذريعا فى إدارة الدولة ومارسوا الإقصاء ودخلوا فى معارك غير ضرورية مع شرائح عديدة من المجتمع المصرى، ودخلوا لأول مرة فى تاريخهم فى مواجهة مع الشعب (أو مع غالبية الشعب) بعد أن كانت مواجهاتهم تقتصر على الحاكم. ولكن هناك سؤالا ملحا: ألم تكن نتيجة هذه التجربة العملية كافية؟ كافية للإخوان الذين أضافوا فى الشهر الماضى مزيدا من العداءات نتيجة للممارسات غير المسؤلة فى الشارع المصرى. وكافية للفصيل الآخر الذى لم يكن فى حاجة إلى توجيه مزيد من الضربات لجماعة أثبتت فشلها فى إدارة البلاد اللهم إلا إذا كانت شهوة الانتقام والتشفى هى سيدة الموقف.

أعتقد أن هناك عددا من الشخصيات الاستثنائية التى قبلت الجلوس فى مقاعد القيادة من خلال تولى مناصب عامة فى زمن أصبح فيه المنصب العام مغرما لا مغنما. إن ممارسة الإرهاب الفكرى والابتزاز تجاه هذه الشخصيات لمجرد أنها تطرح حلولا للخروج من الأزمة تحاول بها تجنب إراقة الدماء أمر يثير الدهشة. ويدل ذلك على أن الثأر من الإخوان يأتى قبل مصلحة الوطن وسلامته وتماسكه.

وأن هناك خللا لدى الكثيرين فى ترتيب الأولويات، وأن شهوة الانتقام تتفوق على نبل العدالة وأن التمكين فى الأجل القصير يأتى قبل الإستقرار فى الأجل الطويل وأخيرا، فإن العقل يتوارى لصالح الانفعال والتهور. وإذا كانت الأخونة لم تتمكن من أجهزة الدولة فهل تمكنت من الليبراليين؟

لقد وصل الأمر ببعض النخب إلى ممارسة الاغتيال المعنوى لشخصيات قامت بدور وطنى لا يمكن المزايدة عليه وبلغت المهزلة قمتها عندما يتم تخوين شخصيات مثل محمد البرادعى من قبل من كانوا يشاركونه نفس الخندق، ولا يُستبعد أن يتمادى البعض ويتهم البرادعى بأنه من خلايا الإخوان النائمة. ولم يقتصر الأمر على محمد البرادعى فقط وإنما شمل أيضا شخصيات عديدة لها احترامها مثل عمرو حمزاوى الذى قال أحد الإعلاميين ــ فى محاولة سخيفه لتصنيفه ضمن الفلول ــ أنه صديق جمال مبارك.

ويبدو الأمر غريبا عندما تهاجم النخب السياسية وكثير من وسائل الإعلام المبادرات السياسية، والهجوم لا يكون اعتراضا على مضمون المبادرات وإنما يكون من منطلق رفضها كما لو كان اقتراح مبادرات لحل أزمة الوطن هو الخيانة بعينها. ويزداد الأمر غرابة من الهجوم الذى تم شنه على «الميدان الثالث» دون محاولة التعرف على ما يدعو إليه هذا الميدان والذى لم يُظهر أية مظاهر للعنف، على حد علمى.

ويشكل كل ذلك مسلسلا من التصلب فى إملاء الشروط ورفض أى طرح يحيد أو يبدو أنه ربما يحيد عن ذلك دون حتى التعرف على ما تحمله من أفكار. وهكذا يساهم الجميع فى رسم مسار فاشية فكرية ينزلق إليها المجتمع المصرى بسرعة تتجاوز كل الحدود. والمنهج الذى توافق عليه الطرفان هو منهج يفضل أن يخسر الطرفان loose-loose عن أن يكسب الطرفان.win-win وبدلا من البحث عن إطار لحل الأزمة يخرج منه كل طرف فائزا (ولو نسبيا) فإن كل طرف يسعى لأن يخسر الآخر كل شىء حتى لو لم يفز هو بأى شىء وخرج من الأزمة صفر اليدين.

وربما يكون من المفيد عدم الاقتصار على توصيف العَرض دون تحليل المَرض ومن المفيد أن نتعمق فى فهم هذه الممارسات فى ضوء القيم السائدة التى لا تحظى بقدر كافٍ من التدعيم فى تربية الأطفال والنشء ومنها التسامح واحترام الآخر والموضوعية والاعتماد على المعلومات بدلا من الانطباعات والدقة فى الحصول على المعلومات الموثقة. وتوارى هذه القيم ينتج عنه ممارسات غير سوية لا تسلم منها النخب مما يسهم فى غياب القدرة على التوافق ومن ثم يجعل المشهد السياسى شديد التعقيد. وحتى لا يكون حديثى مرسلا فليسمح لى القارئ أن أسوق نتائج مستقاة من مسح القيم العالمى الذى تم إجراؤه فى مصر عام 2008.

تضمنت الدراسة سؤالا حول القيم التى يربى المصريون أبناءهم عليها، وقد جاءت قيم التسامح واحترام الآخر والقدرة على التخيل والابتكار فى مركز متأخر نسبيا وجاءت الطاعة فى مركز متقدم نسبيا وذلك عند عقد مقارنات بين المجتمع المصرى ومجتمعات أخرى. وربما يجب ألا ننظر إلى الظواهر السلبية التى كشف عنها المشهد السياسى دون التعمق فى الأسباب الثقافية والاجتماعية حتى نغير الواقع ولو فى الأجل الطويل، وسنصل إلى نتيجة، مفادها أننا نحتاج إلى ثورة ثقافية تعيد صياغة القيم الانسانية التى تحكم المجتمع المصرى.



الشروق