Baseerasincolor - the campaign
<

الوزير.. سياسى أم تكنوقراط؟


د.ماجد عثمان

مايو-2013



تم إعلان التشكيل الوزارى الأخير بعد مشاورات مضنية للخروج بتعديل وزارى فى مرحلة عصيبة اتسمت بعزوف العديد من الشخصيات المستقلة عن تقلد المنصب العام، وبمقاطعة التيارات السياسية المشاركة لأسباب تتصل بالمناخ السياسى العام.

وجرت العادة عندما يُعلن أى تشكيل وزارى أن يتولى الإعلام والسياسيون والخبراء تحليل تركيبة الحكومة الجديدة وتقييم الاختيارات وتفسير مدلولات هذه الاختيارات، والتعليق على مدى جدارة القادمين الجدد بهذا المنصب بناء على سيرتهم الذاتية.

وأحد الجوانب التى يتم التصدى لها عقب إعلان أى تشكيل وزارى هى تصنيف الوزير إلى وزير سياسى أم وزير تكنوقراط. ومع التسليم بأن بعض الشخصيات قد يحتار المرء فى تصنيفها إلى أحد التصنيفين أو كليهما، إلا أن هذا الموضوع جدير بالاهتمام. وترجع أهميته إلى أنه سؤال جديد قديم. وعلى سبيل المثال، فإن كثيرا من الإعلاميين وكثير من المعارضين كانوا يعيبون على وزراء حكومات ما قبل ثورة 25 يناير وعلى رؤساء مجالس الوزارات أنهم تكنوقراط وليسوا سياسيون، ومن ثَم فليس لديهم القدرة على التواصل الفعال والتعامل الناجح مع الجماهير، وطالب الكثيرون بأن يكون الوزراء من السياسيين.

وعلى النقيض استمعنا إلى وجهة نظر مخالفة فى تحليل التعديل الوزارى الأخير حيث انتقد الكثيرون تولى شخصيات سياسية منصب الوزير لأن الأصلح فى هذه المرحلة ــ من وجه نظرهم ــ الاستعانة بالتكنوقراط؛ لأن السياسيين ليس لديهم الخبرة الفنية التى تسمح لهم بتحقيق نجاحات فى مرحلة عامرة بالتحديات.

وبطبيعة الحال فإن لكل من وجهتى النظر وجاهتها، ومن ثم تزداد أهمية طرح السؤال: هل تحتاج مصر إلى وزير سياسى أم وزير تكنوقراط؟

وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نأخذ الجوانب التالية فى الاعتبار:

• الجانب الدستورى: الدستور المصرى يشير فى المادة 156 «أنه لا يجوز الجمع بين عضوية الحكومة وعضوية أى من مجلسى النواب والشورى، وإذا عُين أحد أعضائهما فى الحكومة، يخلو مكانه فى مجلسه من تاريخ هذا التعيين». وبعض الدول الديمقراطية ــ وليس كلها ــ تختار الوزراء من بين أعضاء البرلمانات وإذا خسر الوزير الانتخابات البرلمانية فإنه يخسر معها مقعد الوزارة، ويستند ذلك إلى فكرة أن يكون المسئول الحكومى منتخبا، أى يحظى بمساندة شعبية. أما ما نطبقه فى مصر فيعتمد على إعمال الفصل بين السلطات بمعنى ألا يكون المسئول التنفيذى جزءا من السلطة التشريعية، ومع أهمية الفصل بين السلطات إلا أن الرسالة الضمنية للنظام السياسى المصرى فى ضوء المادة المشار إليها لا تضمن أن يكون الوزير قد دخل معترك الممارسة السياسية من خلال المشاركة والفوز فى انتخابات نيابية. ومن ثم فإن الحكومات المصرية التى سنشهدها فى المستقبل ستظل مترددة بين الوزراء السياسيين والوزراء التكنوقراط دون سياسة واضحة وثابتة فى هذا الشأن.

• الجانب التاريخى: حكومات ما قبل ثورة يوليو 1952 كانت وزارات سياسية إلى حد كبير وشهدنا شخصيات مثل مصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين تتولى وزارات فنية مثل وزارة الزراعة ووزارة الصحة، وهو ما لو حدث الآن لاعتبره المجتمع المصرى من الأعاجيب. أما تشكيل الحكومات المتعاقبة منذ قيام ثورة يوليو 1952 فقد غلب عليها الوزراء التكنوقراط ولاسيما أساتذة الجامعات. والوزراء السياسيون فى تشكيلات الخمسينيات كانوا فى الغالب من أعضاء مجلس قيادة الثورة ومن الضباط الأحرار باعتبارهم المسئولين عن تحديد توجه الدولة المصرية.

• الجانب العملى: رسخ الموروث الممتد على مدار أكثر من نصف قرن ميلا إلى اختيار وزراء تكنوقراط. وهو ما ساهم بشكل كبير فى إرساء تقاليد حكومية تركز السلطة فى يد الوزير وتنأى عن تفويض الصلاحيات. وأصبح الوزير التكنوقراط فى غالب الأمر يتدخل فى التفاصيل اليومية ويرأس معظم اللجان الفنية ويكون المرجعية الرئيسية لقرارات غير استراتيجية الأصل فى الأمور أن تُفوض لقيادات تنفيذية. وعلى التوازى لم يكن معظم الوزراء حريصين على إتاحة الفرصة لظهور وجوه منافسة من داخل الوزارة. نتج عن ذلك تغييب الصف الثانى ووأد أى عناصر واعدة يمكنها أن تلعب دورا فى عملية اتخاذ القرار. وهذه البيئة تجعل مهمة الوزير السياسى فى منتهى الصعوبة لأنه يجد نفسه دون أن يقصد وقد تحول إلى وزير تكنوقراط، وهو دور لم يؤهل للعبه وعلى التوازى دوره السياسى الذى جاء من أجله. وسيضطر الوزير السياسى إلى لعب الدور الخاطئ والذى لم يؤهل للقيام به، وهو ما سيحول فى نهاية الأمر دون قيام الوزير بدوره السياسى.

وأعتقد أن الاستعانة بوزراء سياسيين أم تكنوقراط هو أحد المجالات التى يجب أن تكون محل حوار مجتمعى تتوافق عليه القوى السياسية، بحيث يتم تبنى أحد المنهجين مستقبلا بشكل دائم لا يتأثر بتداول السلطة بين الأحزاب. وإذا ما تم التوافق على التوسع فى عدد الوزراء السياسيين فيجب أن يواكب ذلك إعادة هيكلة الوزارات وإحداث تغيير فى استراتيجيات بناء القدرات والحفاظ على تحقيق تراكم فى هذا المجال حتى لا يفشل الوزير السياسى بدون ذنب جناه.



الشروق