Baseerasincolor - the campaign
<

الحصول على وظيفة ونجاح الأولاد فى التعليم


سعد الدين ابراهيم

مارس-2018



يُعتبر بصيرة من أهم المراكز البحثية فى مصر فى الوقت الحاضر، رغم أن هناك مراكز بحثية أخرى أقدم وأكبر. وربما حاز مركز بصيرة على هذه السُمعة الطيبة لموضوعيته، وحياديته، واستقلاليته، وسهولة عرضه لنتائج ما يقوم به من دراسات للرأى العام.

وفى مطلع عام 2018، وجّه مركز بصيرة سؤالاً لعينة مُمثلة من المصريين عن أمنياتهم للعام الجديد. وجاءت أهم أمنيتين للمصريين هما الحصول على عمل مستقر، أو وظيفة، ونجاح الأبناء فى التعليم. لم تعد الرغبة فى الثراء أو السفر للعمل فى الخارج فى مقدمة اُمنيات المصريين، كما كانت فى أعوام سابقة، خلال الرُبع الأخير من القرن العشرين.

ولعل هذا التغير فى أمنيات المصريين للمستقبل يعكس واقعيتهم وأوليات قيمهم. فالعمل والتعليم هما القيمتان الأهم عِند المصريين. وفى الواقع، طبقاً للمسح العالمى للقيم (World Value Survey) الذى يقوم به تحالف من مراكز الأبحاث المشهود لها بالكفاءة، فإن هاتين القيمتين، التعليم والعمل، تكادان تكونان هما الأهم فى معظم بُلدان العالم، وخاصة فى بُلدان جنوب وشرق آسيا- الهند وبنجلاديش، وتايلاند، وفيتنام، وهونج كونج، وسنغافورة، وكوريا، والصين. ولعل هذا ما يُفسر نهضة تِلك البُلدان، والتى نعتها خُبراء التنمية فى الرُبع الأخير من القرن العشرين بالنمور الآسيوية Asian Tigers. ولكن هذا موضوع آخر، يستحق دراسة مستقلة.

ولكن عودة إلى المشهد المصرى، والذى طرأ عليه تغيرات وتحولات جذرية قُبيل وأثناء، ومنذ ثورات الربيع العربى، 2010-2013. وكان أحد هذه التغيرات هو إحساس الشباب الذى قام بالثورة، وسقط منهم فيها عشرات الشُهداء، أن ثورتهم قد تم اختطافها، وأدى شعور شباب الثورة بالإحباط فهاجر بعضهم إلى الخارج، وهجر بعضهم العمل العام فيما يُشبه الهجرة الداخلية، بحثاً عن الاستقرار والزواج وتكوين أسرهم، ومن هنا عاد التعليم والسعى لعمل مُجز هما أهم القيم، فى نهاية الربع الثانى من القرن الحادى والعشرين.

وللأمانة، فقد كانت قيمة الوظيفة، ذات الراتب المضمون، حتى لو كان متواضعاً، هى أحد التقاليد المصرية التى ترسّخت مع نشأة الدولة المصرية الحديثة منذ محمد على باشا الكبير، الذى حكم مصر فى مطلع القرن التاسع عشر (1805-1840). وكانت الوظيفة الحكومية، تحديداً، هى المُراد من ربّ العباد عِند المصريين. ومن هنا جاء القول الشعبى المأثور «إن فاتك الميرى اتمسح فى تُرابه». وكان المقصود بالميرى هو الأميرى، أى حكومة الأمير الحاكم، أو الملك، أو السُلطان. فقد كان الانخراط فى أى عمل حكومى ينطوى على مكانة اجتماعية ودخل مضمون، ومعاش فى مرحلة الشيخوخة، أى بعد الستين من العُمر.

ورغم أن شباب الثورة فى أعوامها الثلاثة الأولى 2011-2013، بدا أنهم تخلوا عن بعض تِلك القيم المصرية الراسخة، إلا أن ما أصابهم من إحباط نتيجة اختطاف ثورتهم قد جعل الكثير منهم، ربما تحت تأثير الآباء والكبار من الأقارب، يعودون إلى تِلك القيم التقليدية، حتى لو ارتدت ملابس جديدة، مثل العمل فى القطاع الخاص أو المشروعات الصغيرة.

وحسناً ما قام به نظام الرئيس عبد الفتاح السيسى من تنظيم عِدة مؤتمرات للشباب، والاستماع إلى آرائهم وهمومهم، ومُحاولة إشراكهم فى العمل العام، أو حتى التدريب فى دواوين الحكومة، كمساعدين لمديرى العموم والمحافظين والوزراء، كما لابُد من التنويه بمُبادرات نفس النظام الحاكم بالتواصل مع معاهد الإدارة العُليا فى فرنسا وألمانيا واليابان وكوريا للاستفادة من خبراتها فى مجال استيعاب وتأهيل الشباب، تمهيداً لانخراطهم فى إدارة الدولة والقطاع الخاص والمجتمع عموماً.

ومن المُفيد فى هذا الصدد الاستمرارية، والمتابعة، والتقييم الدورى لحصاد تِلك البرامج والمُبادرات. وحبذا لو كانت المتابعة والتقييم الدورى بواسطة هيئات غير حكومية ومراكز بحوث خاصة، مثل مركز بصيرة لاستعلامات ودراسات الرأى العام.

وعلى الله قصد السبيل.



المصرى اليوم