Baseerasincolor - the campaign
<

استطلاع الرأى العام الذى أغضب الطرفين


د.ماجد عثمان

يناير-2013



أجرى المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» استطلاعا للرأى العام بمناسبة نهاية عام 2012، ووجه للمواطنين سؤالا عن أفضل شخصية سياسية فى مصر. وجاءت الإجابة عن هذا السؤال على النحو التالى:

29 % محمد مرسى ــ 15% عمرو موسى ــ 10% حمدين صباحى ــ 6% محمد البرادعى ــ 6% كمال الجنزورى ــ 6% سليم العوا ــ 5% عبدالمنعم أبوالفتوح ــ 3% أحمد شفيق ــ 3% حازم أبوإسماعيل ــ 2% عصام سلطان.

وفيما يلى أهم ما يلفت النظر فى نتائج هذا الاستطلاع، والذى ربما تجد فيه القوى السياسية باختلاف مشاربها ما يفيد فى التعرف على ملامح خريطة سياسية قد تحدد مسارات الانتخابات المقبلة:

• الشخصية التى جاءت على رأس القائمة لم تحصل سوى على 29% من جملة الأصوات.

• إجمالى الأصوات التى ذهبت لأعلى أربع شخصيات مجتمعة تساوى 60% وهذه الأصوات تضم رئيس الجمهورية وهو رأس السلطة التنفيذية والذى تقف خلفه أحزاب تيار الإسلام السياسى. وتضم رموز حركة الانقاذ وهى أسماء لها ثقل سياسى كبير فى صفوف المعارضة. وهنا لا نستطيع أن نخفى دهشتنا من شريحة كبيرة من المصريين تصل إلى 40% لا يجدون ضالتهم فى الأسماء الأربع الأولى، وتتجه أنظارهم إلى عدد كبير من الشخصيات وبعضها ربما لا يعتبر نفسه شخصية سياسية (مثل كمال الجنزوري) والبعض الآخر لا يقف ورائه حزب سياسى (مثل سليم العوا).

< مجموع الأصوات التى حصل عليها أعلى عشرة شخصيات مجتمعة تساوى 85% من جملة الأصوات، وتفتتت باقى الأصوات والتى تصل نسبتها إلى 15% على اختيارات أخرى. ونسبة 15% هى نسبة لا يستهان بها إذا أخذنا فى الاعتبار أن هذه النسبة تناظر 7.5 مليون مواطن لهم حق التصويت.

• بالإضافة إلى الانخفاض الحاد فى تركيز الأصوات والذى ربما يشير إلى خلو الساحة من شخصيات سياسية عليها قدر معقول من الإجماع، فإن التفاوتات بين الشرائح الاجتماعية كانت ملفتة.

• بالنسبة للرئيس مرسى ارتفعت نسبة المؤيدين له إلى 34% فى الريف مقابل 25% فى الحضر وإلى 36% فى الوجه القبلى مقابل 28% فى الوجه البحرى و23% فى المحافظات الحضرية، كما ارتفعت إلى 47% بين الحاصلين على تعليم أقل من المتوسط مقابل 22% للحاصلين على تعليم متوسط و11% للحاصلين على تعليم جامعى.

• بالنسبة لرموز جبهة الانقاذ (محمد البرادعى وعمرو موسى وحمدين صباحى)، مجتمعين فقد ارتفعت النسبة التى حصلوا عليها بين الجامعيين إلى 36% مقابل 27% للأقل تعليما وإلى 35% فى وجه بحرى مقابل 26% فى وجه قبلى.

• تركز الأصوات يزيد بين بعض الشرائح الاجتماعية، فإذا جمعنا الشخصيات الأربع الأولى والتى حصلت على 60% من جملة المواطنين نجد أنها حصلت مجتمعة فى الريف على 69% مقابل 57% فى الحضر وبالمثل ارتفعت نسبة تركز الأصوات بين المواطنين الأقل دخلا حيث وصلت إلى 69% مقابل 50% بين الأعلى دخلا، وبين الأقل تعليما على 75% مقابل 47% بين الجامعيين وهو ما يشير إلى درجة أقل من التوافق بين النخب.

• عند مقارنة الأصوات التى اختارت محمد مرسى بالأصوات التى اختارت رموز جبهة الانقاذ الثلاث مجتمعين (عمرو موسى ــ محمد البرادعى ــ حمدين صباحى)، نجد أن نسبة الأصوات الذى ذهبت إلى محمد مرسى كانت أعلى فى الريف وفى الوجه القبلى وبين الذكور وبين الأقل تعليما والأقل دخلا. بينما كانت نسبة رموز جهة الإنقاذ مجتمعين أعلى من محمد مرسى فى الحضر، وفى الوجه البحرى وبين الإناث وبين الجامعيين وبين أصحاب الشهادات المتوسطة وبين الذين يحصلون على دخل مرتفع أو متوسط وبين الذين تجاوزوا الخمسين.

ولعل أغرب ما فى هذا الاستطلاع ليس نتائجه فى حد ذاتها وإنما فى ردود الأفعال تجاه هذه النتائج. وتجربة استطلاعات الرأى العام فى فترة ما بعد ثورة 25 يناير التى مررت بها أنا وزملائى تشير إلى أنه عند نشر نتائج أى إستطلاع يغضب أحد الأطراف ويهاجم منهجية الاستطلاع ويشكك فى نزاهة من قاموا به إذا وجد فى هذه النتائج ما يهدد مصالحه أو ما لا يتوافق مع توقعاته. وفى بعض الأحيان يصل الأمر إلى السباب الذى يعف عنه اللسان والاتهامات الكاذبة والتصنيف الظالم. وفى المقابل يحتفى الطرف الآخر بالاستطلاع ويثنى على مهنية من قاموا به ويشيد بخبرتهم فى مجال قياس الرأى العام إذا ما وجد فيه ما يمكن توظيفه لتحقيق مكاسب سياسية أو ما يتفق مع توقعاته. وكثيرا ما تتبدل الموافق بشكل مدهش تبعا لاتجاهات الرأى العام التى يتم رصدها، والتى قد تتغير بسبب تغير المزاج العام أو بسبب أحداث يعج بها المشهد السياسى المصرى.

وفى كثير من الأحيان ينتقد البعض الاستطلاع أو يشيدوا به دون قراءة نتائج إستطلاعات الرأى العام والاكتفاء بقراءة المانشتات التى تنشرها الصحف والتى تتسم فى كثير من الأحيان بالإثارة، ناهيك عن الإنتقائية التى يفرضها الحيز المتاح لهذه المنشتتات. ولا يتم فى بعض الأحيان تأمل التفاصيل والتفاوتات والتفسيرات التى قد تفيد فى التعرف على التحولات التى تطرأ على اتجاهات الرأى العام بكل تعقيداتها. ويتم اختزال النتائج فى رأى وحيد يعترض عليه البعض ويوافق عليه البعض الآخر مع تجاهل التنوع القائم فى المجتمع بسبب الاختلافات الفكرية والتباينات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. ويتناسى البعض أن نتائج استطلاع الرأى العام هى محصلة مجتمع الناخبين بكل مافيه من انقسام وتذبذب، وبكل ما فيه من تباين فى الأولويات والمصالح.

وأعود مرة أخرى إلى الاستطلاع الذى عرضت نتائجه والذى يحاول التعرف على رأى المصريين فى أفضل شخصية سياسية، والذى ذكرت أن أغرب ما فيه هو ردود الأفعال تجاهه. ومبعث الغرابة ليس فى مهاجمة نتائج الاستطلاع من قبل أحد الأطراف المؤيد للنظام أو المعارض له، وإنما مبعث الدهشة يتمثل فى هجوم متوازٍ من الطرفين عبر الإعلام التقليدى والإعلام الجديد. وكان مبعث رفض المنتمين للمعارضة أنه من غير المتصور أن يحصل الرئيس مرسى على أعلى الأصوات فى تصنيف أفضل شخصية سياسية. وفى نفس الوقت اعترض المؤيدون للنظام على النتائج لأنهم ارتأوا أنه ليس من المعقول أن يحصل الرئيس مرسى على 29% فقط من الأصوات فى هذا التصنيف.

إن من يقوم بقياس الرأى العام مثل الطبيب الذى يحاول توصيف الحالة الصحية لمريض، وما يحدث من ردود أفعال تجاه نتائج استطلاعات الرأى العام أشبه بالمريض الذى يسب الطبيب إذا صارحه بمرضه، أو مثل الذى يحطم الترمومتر إذا وجد أن درجة حرارته مرتفعة. وعلى من يجد فى سب الطبيب أو كسر الترمومتر حلا فليهنأ بمرضه ولا يلومن إلا نفسه.

وعلى الرغم من الإحباط الذى قد يصيب العاملين فى مجال قياس الرأى العام نتيجة لردود الأفعال الظالمة وغير الموضوعية تظل القاعدة الذهبية هى الملاذ: «أن نُكذب ونحن صادقون خير من أن نُصدق ونحن كاذبون».



الشروق