Baseerasincolor - the campaign
<

التاء المربوطة والليبراليون السلفيون


د ماجد عثمان

أكتوبر-2016



فى حفل راق بدار الأوبرا المصرية، أطلق المجلس القومى للمرأة يوم 2 أكتوبر الماضى حملة للتوعية بأهمية تمكين المرأة المصرية والحد من مظاهر التمييز الذى يُمارس فى حقها. وأطلق المجلس على الحملة اسم التاء المربوطة، وكان شعار الحملة: «التاء المربوطة- ما تخليهاش تربطك- خليها سر قوتك».

وربما يسأل البعض لماذا هذه الحملة التى تهدف إلى إعطاء المرأة المصرية قدرا أكبر من الثقة فى نفسها، وتنبه الرجال إلى أن قدرات المرأة الكامنة تفوق المساحة التى تُعطى لها. وفى واقع الأمر، فإن هذه الحملة تحاول استثمار ما شهدته مصر من إنجازات حقيقية لمصريات فى مجال العلوم والرياضة والفنون والثقافة، وامتد الأمر إلى ذوات الإعاقة فى مشاهد تجاوزت المحلية إلى العالمية. ولعل الحملة تسهم فى جعل هذه الإنجازات القاعدة وليست الاستثناء، وتصبح هذه الإنجازات حالة مستمرة تضيف إلى رصيد وطن تواجهه تحديات البقاء، وليس لديه بالتأكيد ترف إهدار طاقات نصف المجتمع.

وإنجازات المرأة المصرية ليست وليدة اليوم وهى ضاربة فى جذور التاريخ، إلا أنها دائما ما تواجه بسقف يأبى أن يرتفع لقامات تستحق أن تصل لعنان السماء. ويكشف الواقع عن مناخ عام إقصائى يبدأ من تمييز يُمارس فى حق المرأة بشكل فج، إلى عنف يُوجه إليها بشكل صارخ، مرورا بتقليل من قدرتها على الإنجاز بشكل ظالم، وهو ما يشكل إخلالا مقيتا بمبادئ العدالة الاجتماعية، وإهدارا مؤسفا لقدرات أثبتت جدارة فى مجالات عديدة.

وعلى الرغم من أن كثيرا من الكبوات والإخفاقات التى نشهدها مسؤول عنها الرجال بحكم مواقع القيادة التى يشغلونها، إلا أن طرح تقلد المرأة كثيرا من المناصب دائما ما يواجه بحجج على شاكلة أن الوقت لم يحن بعد لهذه الخطوة، أو أن طبيعة المرأة لا تسمح لها بتحمل ضغوط العمل الشاق، وفى بعض الأحيان يأتى الرد أكثر صراحة بأن المرأة كائن ضعيف ومكانه المنزل. وتبدو قمة التناقض فى حرمان النساء من تقلد مناصب فى السلطة القضائية (مجلس الدولة على سبيل المثال) ليأتى الجور من القائمين على إقامة العدل.

ولأننى أظن أن الأرقام تعبر عن الواقع بشكل دقيق سأضع بين يدى القارئ هذه الأرقام التى أظنها تدلل على ما ذكرته:

■ نسبة الإناث تصل إلى 53% بين خريجى الجامعات، 47% بين خريجى كليات الطب، 61% بين خريجى كليات الصيدلة (هناك استثمار فى رأس المال البشرى النسائى).

■ انخفاض مشاركة المرأة فى سوق العمل المصرى يؤدى إلى فاقد فى الناتج المحلى الإجمالى فى مصر يقدر بنحو 29% (هناك فرصة سانحة إذا ما قامت المرأة بدور اقتصادى أكبر).

■ معدل البطالة بين الشابات يزيد على 5 أضعاف معدل البطالة بين الشباب (الواقع يشير إلى عدم استغلال الفرصة المتاحة، لماذا؟).

■ 80 % من الذكور يرون أنه عندما تقل فرص العمل، يجب أن يكون للرجال أولوية فى الحصول على الوظائف من النساء (إذا عرف السبب، بطل العجب).

ولعل السؤال التالى هو: هل يعتبر الواقع المصرى أمرا طبيعيا مقارنة بدول العالم الأخرى؟ الإجابة عن السؤال لا تحتمل التأويل فى ضوء الرقمين التاليين:

■ طبقا لدليل الفوارق بين الجنسين الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى لعام 2014، تقع مصر فى المرتبة 131 بين 155 دولة.

■ طبقا لمؤشر فجوة النوع الاجتماعى الصادر عن البنك الدولى لعام 2014، تقع مصر فى المرتبة 129 بين 142 دولة.

لعل الكثيرين يُرجعون التراجع الذى حدث فى مساهمة المرأة فى المجال العام إلى نمو الاتجاه المحافظ الذى تسلل إلى العقل الجمعى المصرى، وأصابه بالجمود وأصبح غير قادر على مناقشة ومراجعة أمور بديهية. وإذا كان من الجائز أن نُرجع ذلك لنمو تيار الإسلام السياسى فإنه من غير الدقيق أن نختزل الأمر فى تعليق هذا الإخفاق الفكرى فى تناول قضايا المرأة على تأثير الفكر السلفى فقط. وحقيقة الأمر أن مساحة الاختلاف بين بعض المنتمين للتيار الليبرالى وتيار الإسلام السياسى تضيق لدرجة تدعو للدهشة إذا تعلق الأمر بقضايا النوع الاجتماعى.

فالنخب الليبرالية لديها- فيما يتعلق بقيم النوع الاجتماعى- مساحة واسعة فى توجيه الرأى العام، وفى تشكيل السياسات العامة، وفى إعمال روح الدستور الذى يقضى بعدم التمييز، وفى تطبيق نصوص القوانين التى تحمى المرأة؛ إلا أن الواقع يشير إلى دور سلبى تجاه كثير من الانتهاكات، على سبيل المثال لا الحصر: استمرار ممارسة ختان الإناث، حرمان المرأة من الميراث فى بعض المناطق، التحرش الجنسى، الزواج المبكر، استمرار حرمان المرأة من التوظف فى مؤسسات عديدة بما فى ذلك بعض الهيئات القضائية.

وتأتى تصريحات بعض النواب وبعض المسؤولين التنفيذيين صادمة، وعادة ما تمر دون حساب، لتكرس واقعا ثقافيا مؤلما، ولتعكس تواطؤا يتوافق عليه الجميع فى زمن عز فيه التوافق

المصرى اليوم