Baseerasincolor - the campaign
<

نحو روشتة عملية لمكافحة التطرف


يوسف وردانى

أبريل-2017



يعتبر قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بإنشاء مجلس قومى لمكافحة التطرف والإرهاب خطوة مهمة فى مجال مأسسة التعامل مع الأفكار المتطرفة التى بدأت تتسلل ببطء إلى عقول الشباب المصرى، ويتم إجراء عملية تحويل منظمة لها لتنتقل من مرحلة الأفكار إلى مرحلة السلوك اللفظى والمادى العنيف ثم ارتكاب الأعمال الإرهابية.

ومن المهم أن يعقب هذه الخطوة خطوات أخرى مكملة ولا تقل أهمية عن قرار الإنشاء نفسه، أهمها فى ضوء الخبرات الدولية تحديد ما الذى تتم مكافحته، هل هو الفكر المتطرف أم جماعات متطرفة محددة؟، حيث إن هذه الخطوة تعد نقطة البداية فى صياغة السياسات المختلفة لمكافحة التطرف فى الدول المعنية، ففى حالة الجماعات من المهم تحديد من هى بصورة حصرية ودون اعتبار للمواءمة السياسية التى سمحت بانتشار أفكار متطرفة لمجرد تصور أنها أقل تطرفاً فى لحظات معينة، والأمثلة على ذلك كثيرة فى الحالة المصرية. وفى حالة الأفكار من المهم وضع تعريف دقيق لها ونوع القيم التى تمثل التيار الرئيسى فى المجتمع والتى تعمل تلك الأفكار على تقديم بديل لها.

يلى ذلك من حيث الأهمية العمل على خلق نواة صلبة لمكافحة التطرف تكون مبنية على الشراكة بين كافة مؤسسات الدولة والمجتمع لا أن تكون مسئولية الحكومة بمفردها، ويتعزز ذلك من خلال إطلاق استراتيجية وطنية للمكافحة تدمج بين مجالى مكافحة التطرف والإرهاب معاً كما فى حالة كندا، ويكون هدفها النهائى هو القضاء على الإرهاب والحد من التطرف.

وينبثق من هذه الاستراتيجية خطة عمل تحدد أدوار مؤسسات الدولة والفاعلين المجتمعيين ومسئولياتهم، ومستويات المكافحة المختلفة التى تتمثل عادة فى التعامل مع المتطرفين وضحايا التطرف والكتلة السائلة بالمجتمع، وشكل الجهاز المعنى بالمكافحة وهل يقتصر فقط على ممثلى الجهات التنفيذية أم يتسع ليشمل الشخصيات العامة ذوى الكفاءة فى الموضوع، ومستوى الصلاحيات التنفيذية الممنوحة له فى ظل تشابك الجهات المعنية بمكافحة التطرف والإرهاب. يتولى هذا الجهاز مسئولية تطوير برامج تنفيذية يكون كل فاعل مشارك فى عملية المكافحة مسئولاً عن القيام بها وفق جدول زمنى واضح ومحدد المعالم، وبآلية متابعة تستند إلى مؤشرات تقييم واضحة تخضع لتوجيه دائم من رأس الدولة أو رئيس مجلس الوزراء، وذلك بعد توفير الميزانيات الكافية المخصصة له.

ولكى تنجح هذه الخطوات، فإنها ينبغى أن ترتكز على ثلاثة مسارات؛ يتعلق المسار الأول بأهمية التعامل الجاد مع مخرجات العملية التعليمية خاصة فى مرحلة تشكيل شخصية النشء والشباب التى تشير إليها الدراسات عادة بأنها من سن 9 إلى 13 سنة، ولا يقتصر الأمر على تغيير المناهج التعليمية، وهو الأمر الذى قطعت الدولة فيه شوطاً طويلاً، وإنما يشمل أيضاً تأهيل المدرسين والتأكد من مجموعة الرسائل الفكرية والاجتماعية بل والسياسية التى ينقلونها للطلبة خاصة مدرسى اللغة العربية والدين منهم، وبدون التعامل الجاد مع ذلك سيظل هؤلاء الطلبة أسرى فى مدارس التربية والتعليم، ومحتجزين فكرياً ونفسياً لدى دعاة التطرف والكراهية ومحرفى شرح وتفسير النصوص الدينية.

ويركز المسار الثانى على بلورة استراتيجية إعلامية تحدد الرسائل السياسية والإعلامية التى تسعى الدولة إلى إيصالها فى مجال مكافحة التطرف بما يستوعب التعقيدات المتعلقة بالمفهوم والتعدد فى أنواعه والتنظيمات المحلية والدولية التى تمارسه، وتراعى التنوع فى فئات المستهدفين وانتماءاتهم وأماكن تركزهم الجغرافى، والربط بين التطرف والظروف التى يعيشها الشباب والمواطنون فى حياتهم اليومية. ومن المهم أن تستفيد هذه الاستراتيجية من التقدم الحادث فى مجال تسويق الحملات السياسية والاجتماعية خاصة فى مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.

ويتمثل المسار الثالث فى تعزيز دور مراكز الفكر والبحوث القائمة، وإنشاء مراكز بحوث جديدة تسد النقص المعلوماتى والتحليلى فى مجالى مكافحة التطرف والإرهاب، وأهمها غياب خريطة استهداف جغرافى مدققة على مستوى القرى والنجوع لأماكن التطرف يتم تركيز مؤسسات الدولة والمجتمع عليها بدلاً من سياسة الاستهداف العشوائى فى البرامج والأنشطة المنفذة، وعدم وجود دراسات ميدانية كافية ترصد نسب التعصب بين الشباب وتستشعر التغيرات المختلفة التى يمرون بها ومدى تغلغلها فى أماكن جغرافية وطبقات اجتماعية بعينها، وترصد فى النهاية أعراضاً يمكن لكافة المتعاملين فى مجال الشباب اكتشافها، بحيث تعمل على مساعدتهم جمعيات المجتمع المدنى بعد ذلك. وبالرغم من أن التطرف الدينى يعتبر الشكل الأبرز الذى بقر المصريين بوجوده فى المجتمع، حسبما أشارت نتائج استطلاع مركز بصيرة حول التطرف الدينى فى يناير 2015 (76% فى الفئة العمرية 50 سنة فأكثر مقابل 55% من الشباب أقل من 30 سنة)، إلا أنه من المهم أيضاً أن توسع المراكز البحثية من نطاق اهتمامها لتركز على الأنماط المختلفة للتطرف الاجتماعى والسياسى التى باتت تمثل مصانع ومفارخ جاهزة الصنع تعمل على قدم وساق فى المجتمع، وتوفر الحاضنة الشعبية لتداخل أشكال التطرف وتعقدها بحيث نشأت ظاهرة التطرف التراكمى، وأن التطرف فى مجال ما قد يكون سبباً أو نتيجة لتطرف من نوع آخر. ننتظر من المجلس الذى أعلن عنه الرئيس تكليفات كبيرة ومهام جسيمة خاصة فى مجال التعامل مع القضايا المسكوت عنها أو التى أثيرت ولم يتم اتخاذ قرارات حاسمة عنها، وأبرزها: تصويب الخطاب الدينى، واتخاذ إجراءات ناجزة مع مروجى الفتنة والتطرف، والتعامل مع انتشار حالات التطرف داخل السجون، وتصميم برامج متكاملة لمساعدة المفرج عنهم منهم، والتعامل مع المقاتلين العائدين من داعش، الذين من المتوقع أن يختلف مسار عودتهم كما اختلفت طريقة انضمامهم للتنظيمات الإرهابية فى سوريا والعراق وليبيا، وأخيراً وضع الوصلات التنظيمية العابرة للحدود بين التنظيمات الإرهابية فى مصر والدول المحيطة بها، والتى باتت تشكل خطراً منظوراً خاصة فى ظل اقترانها بعصابات التهريب والجريمة المنظمة

الوطن