Baseerasincolor - the campaign
<

مزيد من الشرح مطلوب !


د.عبد المنعم سعيد

يونيو-2017



قبل أسبوع جرى تصويت مجلس النواب الإيجابى على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية؛ ولكن ذلك لا ينهى دور الدولة وأجهزتها المختلفة فى شرح الموضوع فى شكله ومضمونه، وأكثر من ذلك مستقبله. السبب فى ذلك أنه رغم أن المسافة الزمنية بين التوقيع، والعرض على مجلس النواب تجاوزت العام، فإن الضجيج والضوضاء التى صاحبت التصويت على الاتفاقية خلقت حالة من البلبلة والحيرة لدى الشعب المصرى لا شك أن كثيرين سوف ينتهزونها لتحقيق مصالح سياسية سواء كان هؤلاء دولة قطر وأجهزتها الإعلامية، أو جماعة الإخوان المسلمين ونوافذهم الدعائية، أو جماعات سياسية لم تنجح فى الحصول على موافقة مجلس النواب فى رفض الاتفاقية. بالنسبة لهؤلاء جميعا فإن القضية لم تنته بعد، بل لعلها بدأت الآن فصلا جديدا فى المنازعة السياسية التى تبدأ دائما باستغلال قضايا تهم الشعب المصري. والحافز على استمرار الدولة فى تناول الموضوع، هو أن ما لدينا من دلائل، وهو قليل، تعكس هذه الحالة من الحيرة وعدم الاطمئنان والشك والتوجس. وللأسف فإنه لا توجد لدينا استطلاعات كافية للرأى العام المصري، اللهم إلا الاستطلاعات التى تقوم بها مؤسسة «بصيرة» والتى تعتمد على التليفون فى استطلاعات الرأى العام وهذه من سوءاتها الفنية أنها تبدأ باستبعاد نسبة كبيرة من العينة المراد استطلاعها لأنها لا ترد على المكالمة بلغت فى الاستطلاع الأول الذى أجرته المؤسسة فى شهر أبريل 2016 نسبة 46% من حجم عينة قدره 1541؛ وفى الاستطلاع الثانى فى شهر يونيو الحالى بلغت النسبة 47.3% من عينة قدرها 1164.

وهكذا فإن مؤسسة بصيرة قامت باستطلاعين: الأول عقب توقيع الاتفاقية، والثانى أثناء النظر فيها أمام مجلس النواب، وفى كليهما فإن قرابة نصف العينة لم تستجب من الأصل لتناول الموضوع، وظلت النسبة شبه ثابتة بعد مرور عام على التوقيع. لا يعنى ذلك بالضررة أن هذه النسبة تعنى عدم الاهتمام أو الاكتراث وإنما أن القضية ليست ذات إلحاح على أولويات مفردة العينة بحيث تستجيب. فالواضح أن الكتلة التى استجابت للاستطلاعين، تحركت لديها نسبة «لا أعرف» من 31% فى الاستطلاع الأول إلى 18% فى الاستطلاع الثاني، وهو تحرك يعنى أن النقاش والشجار الذى جرى كان مؤثرا فى النسبة التى اتخذت قرار أن الموضوع يستحق المشاركة. وإذا عرفنا أن الاستطلاع الأول شمل أن 16% من المستجيبين فى العينة «لم تسمع عن الجزيرتين» فإن ذلك يعنى ارتفاعا فى مستوى الاهتمام بين المهتمين. هذا الاهتمام جاء من التطورات التى جرت منذ التوقيع على الاتفاقية وحتى مثول الاتفاقية أمام مجلس النواب، وشملت تدخل السلطة القضائية فى الموضوع، والمبارزة السياسية بين المؤيدين والمعارضين. وبينما خسرت المعارضة فى تصويت مجلس النواب، فإنها كسبت فى معركة الرأى العام. ففى الاستطلاع الأول أفاد 30% من المستطلعين بأن الجزيرتين مصريتان، و23% بأنهما سعوديتان؛ أما فى الاستطلاع الثانى فقد أصبحت النسب 47% و11% على التوالي، وهو تغير ملموس فى الاهتمام وتوزيعه.

هنا ينبغى التنبيه أن استطلاع الرأى العام ليس تصويتا، وإنما هو تعبير عن حالة الرأى العام فى لحظة معينة من حيث الاهتمام بالاستجابة من الأصل أو المعرفة من عدمها. وكل ما يمكن استنتاجه من هذه الاستطلاعات أنها تعطينا مؤشرات ينبغى أن نلاحظها ونتتبع نتائجها. وفى هذا الصدد بالإضافة إلى ما سبق، سوف نلمح أن الرأى العام المستجيب فى الاستطلاع الثانى كانت له وجهة نظر غير الشائعة حول دور مجلس النواب فى تحديد تبعية الجزيرتين لمصر أو السعودية، فنجد أن الموافقين 39% من العينة، وأن الموافقين جدا 22% أى أن 61% يقبلون دور مجلس الشعب فى حسم القضية. ومع ذلك فإنه بالسؤال عن الموقف من موافقة البرلمان على تسليم الجزيرتين للسعودية فإن 11% وافقوا جدا، و25% وافقوا؛ بينما كان غير الموافقين 22% وغير الموافقين جدا 25%. عدم التجانس هذا بين الاعتقاد فى الدور الحاسم لمجلس النواب، ثم تراجع هذا الاعتقاد مع التطبيق العملى لقرار المجلس يعكس تلك الحالة من الحيرة والبلبلة ونقص المعلومات المتعلقة بالموضوع.

فما كان غائبا فى القضية هو أن الاستطلاع جعل من جوهر اتفاقية ترسيم الحدود موضوع الجزيرتين فقط بينما الاتفاقية تتعلق بضم أراض وبحار شاسعة لمصر كمنطقة اقتصادية مصرية فيها ما يزيد على 81 جزيرة، وتؤكد الموقف المصرى من منطقة حلايب وشلاتين. هناك بالطبع الكثير مما هو غائب فى الذهن العام حول القانون الدولى وتطبيق قانون البحار، وما يرتبط بذلك بخط الأساس ليس فقط للحدود المصرية جغرافيا وإنما تاريخيا أيضا. فالثابت أن التاريخ كان متحركا بين جانبى البحر الأحمر، منذ الدولة الفرعونية القديمة والفتح العربى لمصر وحتى تدخل مصر محمد على فى الجانب الشرقى للبحر والذى شمل ما أصبح بعد ذلك إمارة الحجاز وترسيم الحدود الذى قامت به الدولة العثمانية بين ولايتها فى مصر والإمارة ومعتمدية القدس. وما كان غائبا فى الصورة كلها كان المستقبل، سواء ما تعلق بكل الجزر، أو حتى بالجزيرتين فى إطار المشروعات التنموية المصرية والسعودية.

مجلس النواب وضع ذلك كله فى قراره بالموافقة على الاتفاقية؛ ولكن المسألة لم تكن بمثل هذا الوضوح بالنسبة للرأى العام الذى لم تكن لديه معضلة فى قبول وجهة نظر الدولة فى دور مجلس النواب؛ ثم رفض القبول بما سوف يأتى به هذا الدور بعد ذلك!. الواقعة هنا تبرز بشكل واضح ما تحتاجه الدولة من زيادة قدراتها الاتصالية بالرأى العام عن طريق طرح المزيد من المعلومات، ووضعها فى النسق الذى يجعلها مقنعة ومقبولة. الجانب الإيجابى فى القضية هو أن هناك اهتماما بالشأن العام، وعلى الدولة أن تستجيب لهذا الاهتمام.



الأهرام