Baseerasincolor - the campaign
<

قياس أداء الرئيس


د.ماجد عثمان

أكتوبر-2012



تجرى دولا عديدة استطلاعات للرأى العام فى محاولة لقياس أداء رؤساء الدول وحول أداء الحكومات والثقة فيها. وأحد المجالات التى اجتذبت الاهتمام العام وأصبحت سلعة رائجة فى صناعة قياس الرأى العام فى الولايات المتحدة الأمريكية هى قياس أداء الرئيس من وجهة نظر المواطن الأمريكى (Job performance rating for president). ويعتمد هذا القياس على توجيه سؤال إلى عينة ممثلة من المواطنين حول ما إذا كانوا موافقين أو غير موافقين على أداء الرئيس الأمريكى. وتأتى النتائج فى شكل نسب مئوية تعكس الشرائح الثلاثة: موافق ــ غير موافق ــ لا أعلم.

وقد بدأت عملية القياس الدورى لأداء الرئيس الأمريكى فى عام 1945 فى فترة رئاسة ترومان، والرئيس ترومان معروف عنه عدم اقتناعه باستطلاعات الرأى العام بصفة عامة. وربما يرجع ذلك إلى أن استطلاعات الرأى العام التى أجريت فى الولايات المتحدة قبيل الانتخابات الرئاسية توقعت فوز منافسه «ديوى» وجاءت نتائج الانتخابات مخالفة لتوقعات مراكز استطلاعات الرأى العام. ولعلى قصدت أن أشير إلى هذه المعلومة متعمدا لأعقد مقارنة بين تشابه فى أحداث أمريكا 1948 ومصر 2012 مع اختلاف فى التبعات.

فمراكز استطلاعات الرأى العام فى مصر فشلت فى التنبؤ بنتائج الجولة الأولى فيما يتعلق بالمرشح الرئاسى محمد مرسى، وإن كانت قد نجحت فى التنبؤ بالمراكز النسبية لباقى المرشحين. وعلى الرغم من أن آخر استطلاعات الرأى العام تمت فى يوم 16 مايو بفاصل زمنى أسبوع كامل عن موعد الانتخابات وعلى الرغم من التسليم بأن الرأى العام المصرى كان فى حالة ديناميكية شديدة وعدم استقرار على مرشح واحد، وعلى الرغم من أن التجربة المصرية ما زالت وليدة. إلا أن ذلك كله لم يشفع لمراكز استطلاعات الرأى العام، وانهالت عليها السهام من كل جانب وتوالت الاتهامات بالتزييف وتبارى البعض فى التجريح الذى تجاوز كل الأعراف الأخلاقية والمهنية.

وكان المشهد فى الولايات المتحدة مختلفا، فبدلا من محاولة القضاء على صناعة استطلاعات الرأى العام وتشويه صورة العاملين بها، فقد عكف الكثيرون على المراجعة النقدية للمنهجيات المستخدمة ولأساليب اختيار العينات، ونتج عن ذلك تجديد فى بعض المنهجيات وبعض أساليب العمل، وهو ما ساهم فى أن تخطو هذه الصناعة خطوات إلى الأمام. ولم ينظر المجتمع الأمريكى إلى الخطأ ــ إن كان هناك خطأ ــ باعتباره خطيئة وإنما باعتباره دافعا لتحسين الأداء.

وعودة إلى استطلاعات الرأى العام التى تناولت أداء الرؤساء الأمريكيين، فقد بدأت كما ذكرنا عام 1945. وقد كررت مؤسسة جالوب هذا الاستطلاع 65 مرة بدءا من يونيو 1945 إلى ديسمبر 1952 وهى فترة ولاية الرئيس ترومان، أى بمتوسط استطلاع كل 6 أسابيع. واستمر هذا التقليد وتزايدت دورية القياس لتصل عدد استطلاعات الرأى التى أجريت وفقا لما رصده موقع مؤسسة روبر Roper إلى نحو 1450 استطلاعا خلال فترة رئاسة الرئيس بوش والتى امتدت ثمانية أعوام أى بمتوسط استطلاع كل يومين. واستمر نفس المعدل خلال فترة رئاسة الرئيس أوباما لتصل عدد استطلاعات الرأى التى أجريت حول أداء الرئيس خلال المائة يوم الأولى لرئاسة أوباما إلى 48 استطلاعا للرأى العام. وبانتهاء العام الأول لرئاسة أوباما بلغ عدد استطلاعات الرأى العام التى تقيس الرضا عن الرئيس 147 استطلاعا. وقد صاحب ذلك زيادة فى عدد المؤسسات التى تشارك فى هذه الاستطلاعات فبينما انفردت مؤسسة جالوب بكل استطلاعات قياس أداء الرئيس فى فترة رئاسة ترومان فقد بلغ عدد مؤسسات استطلاع الرأى التى قامت بقياس أداء الرئيس خلال العام الأول لرئاسة أوباما 15 مؤسسة.

وعلى الجانب الآخر من الأطلنطى، اجريت فى المملكة المتحدة استطلاعات دورية لقياس شعبية الأحزاب وشعبية رؤساء الوزراء وتزداد هذه الاستطلاعات قبل وأثناء الحملات الانتخابية. وكانت بداية هذه الاستطلاعات عام 1945 والتى شهدت استطلاعا واحدا، أما الانتخابات التالية فقد شهدت 11 استطلاعا للرأى تضاعفت فى انتخابات 1959 لتصل إلى 20 استطلاعا. وتزايدت كثافة الاستطلاعات لتصل فى انتخابات 1992 إلى 67 استطلاعا أجرتها 8 مؤسسات وشارك فى تمويلها 18 صحيفة ومحطة تليفزيونية.

والبيانات المتوافرة عن تقييم الأمريكيين لأداء الرؤساء الأمريكيين والتى بدأت منذ عام 1945 خضعت للتحليلات المتعمقة التى تحاول وضع نظريات عن أنماط الاتجاه العام لمستويات الرضا والتحولات التى تشهدها. ويعطى هذا التراكم المعرفى عن اتجاهات المواطن الأمريكى تجاه الرئيس مادة خصبة للمقارنة بين الرؤساء الأمريكيين من حيث اتجاهات الأمريكيين نحو قياس اداء رئيسهم والتغير الذى يحدث فى تقييم أداء الرئيس، وتوقيت حدوث مثل هذا التغير وملابساته. وقد ساهمت نتائج هذه الاستطلاعات فى تغيير مسارات وفى إحداث ردود أفعال سواء من جهة الرئيس وحزبه أو من جهة الحزب المنافس.

وقد دفع كثير من السياسيين ثمنا باهظا نتيجة لتجاهل الرأى العام وفى المقابل استفاد سياسيون آخرون من نتائج استطلاعات الرأى العام. وعلى سبيل المثال، دعت مارجرت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا إلى انتخابات مبكرة فى عام 1983 اعتمادا على ما أظهرته الاستطلاعات من تفوق حزب المحافظين وقد كررت تاتشر نفس الخطة عام 1987. وأخذ بيل كلينتون فى الاعتبار اتجاهات الرأى العام فى تعامله مع علاقته بمونيكا لونسكى واستطاع الإفلات من ورطة كان يمكن أن تؤدى به إلى العزل.

والأمثلة المذكورة لا تعنى أن استفادة النخب السياسية هى استفادة شخصية لإطالة مدة الاستمرار فى الحكم، ولكن الإنصات إلى الرأى العام ومتابعة اتجاهاته لا غنى عنه لإنجاح السياسات العامة ولتدعيم الثقة بين المؤسسات وللاستجابة لرغبات الجماهير. والسياسى الواعى يجب ألا يغفل نتائج مثل هذه الاستطلاعات لأنها الوسيلة الأفضل لقياس نبض الجماهير التى لا يتاح لها فرص التعبير المتاحة للنخب. ومن الضرورى أن يؤخذ نبض الجماهير فى الاعتبار عند رسم الخطط وإعداد الاستراتيجيات. وإذا كان تحديد مسارات المستقبل يجب أن يمر من خلال النخب السياسية والتكنوقراط فإن تحقيق هذه المسارات لا يتم إلا من خلال الجماهير. وإذا كنا ركزنا فى هذا المقال عن تجارب الدول الديمقراطية فى قياس أداء الرئيس فذلك للتمهيد لمقالات قادمة حول مدلولات قياس أداء الرئيس فى السياق المصرى.



الشروق