Baseerasincolor - the campaign
<

الشعب يريد النفاذ للمعلومات


د.ماجد عثمان

ديسمبر-2012



استأذن الصديق التونسى طارق مرزوق مدير مؤسسة «توانسة» فى أن أستخدم هذا العنوان الذى سمعته منه فى إحدى جلسات «أسبوع إدارة الحكم فى المنطقة العربية» الذى نظمه البرنامج الإنمائى للأمم المتحد).

إن حق الإنسان فى المعرفة هو أحد الحقوق التى نص عليها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 (المادة 19) ونص عليه العهد الدولى للحقوق السياسية والمدنية الصادر فى عام 1966. وهذا الحق تم بلورته فى إعلان المبادئ الصادر عن القمة العالمية لمجتمع المعلومات «بناء مجتمع المعلومات: تحد عالمى فى الألفية الجديدة» عام 2003.

ولكن أهم من استدعاء النصوص والوثائق الدولية هو تأمل الواقع المصرى، ومما لاشك فيه أن عدم إتاحة المعلومات باعتبارها حقا هو أحد السمات التى يتصف بها المجال العام بشكل سافر. ومع ازدحام الأجندة السياسية بقضايا كلية، تبدو قضية تداول المعلومات لأول وهلة أقل أهمية، ولكنها فى الواقع هى إحدى القضايا التى يجب أن تحظى بأولوية مطلقة لأنها ترتبط بمعظم القضايا الكلية التى تحظى بالاهتمام. وإلحاحى بأن تحظى هذه القضية بأولوية متقدمة يكمن فى أن ترسيخ حق المواطن فى الحصول غير المقيد على المعلومات هو اللبنة الأساسية لإعادة بناء الدولة المصرية التى تعتمد على الشفافية التى تؤدى إلى تعزيز الثقة، والمساءلة التى تؤدى إلى ضبط الاداء الحكومى، والمشاركة التى تؤدى إلى تقوية الشعور بالانتماء للوطن، والاستجابة التى تشعر المواطن بأنه فى بؤرة الاهتمام.

وإذا راجعنا مواد مسودة الدستور المصرى نجد أنه تناول موضوع الحصول على المعلومات باعتباره حقا من حقوق المواطن، فقد نصت المادة (44) من آخر مسودة اتيح لى الاطلاع عليها أن:

«الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق وتداولها، أيا كان مصدرها ومكانها، حق مكفول للمواطنين، وتلتزم الدولة بتمكينهم من مباشرة هذا الحق دون معوقات، وبالإفصاح عن المعلومات بما لا يتعارض مع الأمن القومى، ولا يمس حرمة الحياة الخاصة. وينظم القانون قواعد إيداع الوثائق العامة وحفظها؛ والحصول على المعلومات وإجراءات التظلم من رفض إعطائها، وما يترتب على هذا الرفض من عقوبة».

والنص المطروح فى الدستور فى رأيى مناسب ولكنى أشدد على أهمية أن تأتى القوانين المنظمة واللوائح التنفيذية لتبث الروح فى هذا الحق لا أن تزهقها، وأخشى أن يأتى القانون ليقنن القمع المعلوماتى الذى عشناه وأن يفوت على المصريين هذه الفرصة التاريخية لإعادة بناء الدولة دون إحداث التحول الذى يستحقه المصريون. ومخاوفى لا تأتى من وقوعى تحت تأثير نظرية المؤامرة ــ وإن كنت لا أنفى ذلك بالكامل ــ ولكنه يأتى بالدرجة الأولى لثلاثة أسباب:

الثقافة السائدة

ومما لاشك فيه أن المناخ العام فى مصر ينحاز لحجب المعلومات ولا يتقبل فكرة أن الولوج إلى المعلومات حق أصيل من حقوق المواطنة. والأسباب التى تؤدى إلى استمرار ذلك عديدة، منها أن احتكار المعلومة يشكل قوة لمن يقوم باحتكارها حتى وإن جاءت هذه القوة خصما من القوة الجماعية للوطن. يضاف إلى ذلك نزعة قوية لإيثار السلامة فى عدم إتاحة المعلومات للإعلام خوفا من العقاب الذى قد يتعرض له الموظف العام من جهة رؤسائه إذا ما كشفت هذه المعلومات عوارا فى تقديم الخدمات أو هدرا فى استخدام الموارد، وهو ما يُضيع على المجتمع فرصا لتحسين حياة المواطن ولحصوله على حقه المشروع فى التمتع بالخدمات الأساسية بأعلى جودة ممكنة. وحتى فى حالة الإنجازات الحكومية التى تتحقق فإن الإفصاح عنها تواجهه عقبات منها قصر الحق فى الإعلان عن الأخبار السعيدة على أعلى قيادة فى المؤسسة لاحتكار مردود النجاح، ويرجع ذلك لطبيعة معظم المؤسسات ــ حكومية أو غير حكومية ــ التى تلتزم بسياسة الرجل الواحد وتنكر العمل الجماعى، وتدعم فكرة أن يتشارك الجميع فى العمل وينفرد من يجلس على القمة بالنجاح.

توتر العلاقة بين أجهزة الدولة والإعلام

قد يتصور البعض ــ فى ظل توتر العلاقة بين أجهزة الدولة والإعلام ــ أن مزيدا من إتاحة المعلومات سيمكن الإعلام من «رقبة» أجهزة الدولة وسيعطى للإعلام فرصا أكبر لتوجيه مزيد من السهام للمسئولين الحكوميين. وأعتقد أن هذا التفكير يتسم بقدر كبير من السطحية، وأنه يُسكن العرض ويُغفل المرض. وأعتقد أن كثيرا من التجاوزات المهنية التى تشهدها الساحة الإعلامية ترجع إلى محاولة الإعلاميين للقيام بدورهم فى ظل تعتيم إعلامى وضباب معلوماتى، وفى ظل سياسة استمرت على مدار 60 سنة فى إتاحة المعلومات «بالتنقيط» وانطلاقا من مبدأ أن «المعرفة على قدر الحاجة».

وفى رأيى أن استحداث بيئة مواتية لإتاحة المعلومات باعتباره حقا وليس منحة سيساعد على قيام الإعلام بدوره فى الرقابة المسئولة وفى إدارة حوارات مجتمعية فى الشأن العام تتسم بالموضوعية وتعتمد على الحقائق. وهذه البيئة ستصل بالإعلام المصرى لدرجة أعلى من المهنية وستسمح بوضع المعايير الأخلاقية الذاتية للممارسات الإعلامية موضع التنفيذ.

مضمون الأمن القومى

علاقة إتاحة المعلومات بالأمن القومى هى علاقة شائكة والوصول إلى صيغة تحقق التوازن بين الحفاظ على أمن الوطن دون الجور غير المبرر على حق المواطن فى الحصول على المعلومات أمر ضرورى فى هذه المرحلة. ومن الأهمية بمكان أن تتسم القوانين واللوائح التنفيذية بالواقعية والحداثة من بعض القيود التى يفرضها الأمن القومى وتجاوزتها التكنولوجيات الحديثة. ومن الضرورى أن ينظر القانون إلى إتاحة المعلومات باعتبارها أداة لتمكين المواطن. وتمكين المواطن فى حد ذاته ضمانة للأمن القومى وللسلام الإجتماعى للأنه يحد من الفساد ويعزز الثقة فى المؤسسات ويزيد من المشاركة والانتماء وهى قيم تُحقق للأمن القومى ما لا تحققه الحصون والقلاع، وهو ما أثبتته دروس الثورات العربية. والتاريخ القريب يثبت أن حجب المعلومات ومنع استطلاعات الرأى العام وتقييد البحوث الميدانية فى المجالات السياسية لم يُنقذ الأنظمة السياسية من الانهيار، وإنما جعل الشعوب تُكذب الأنظمة الحاكمة حتى عندما تقرر هذه الأنظمة أن تكون صادقة.

وفى النهاية، نأمل أن تأتى القوانين واللوائح التنفيذية بحيث تُحفذ الجميع على حرية النفاذ للمعلومات لا أن تُقنن القمع المعلوماتى القائم



الشروق